للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولُ عادلٍ العَوَّا (١): «لقد اضمَحَلَّ الاعتزالُ مَذهبًا إن صَحَّ القول، ولكنَّه بَقِي روحًا ومَوقفًا! وقد جاءت النَّهضةُ الحديثة وفيها ألوانٌ مِن الاعتزال، ففيها الشَّك والتَّجربة، وهما مَنهجان مِن مناهج الاعتزال، وفيها الإيمان بسُلطةِ العقل، وحُريَّة الإرادة» (٢).

وأمَّا غُلاةُ العَقلانيِّين -مُمَثَّلين بالتَّيارِ العَلمانيِّ الحادِّ-:

فهؤلاء لا يعتَبِرون بمَعرفةٍ سِوى ما كان مُحصَّلًا مِن طريق العقل (٣)، شعارهم «العقلُ أوَّلًا، والنَّصُّ ثانيًا» (٤)، بعد أن اِلْتَحَف رُوَّاد هذا التَّيَّار العَرَبُ بدِثار الاعتزالِ، مُنبهِرين بما عند مَشايِخه القُدامى مِن دُربةٍ قديمةٍ على كبحِ جِماح المَدِّ السُّنِّي، وخَدشٍ للأصولِ السُّنيَّة بمَخالِبِ التَّمَعقُل؛ على ما في كِلا الطَّائفتين -الاعتزاليَّة والعَلمانيَّة- مِن رموزٍ تنصهِرُ في قدرٍ مُشتركٍ خَطيرٍ، مُتمثِّلٍ في إحلالِ الشَّرائعِ العَقليَّة، مكانَ التَّشريعاتِ النَّبويَّة (٥).

فلأجلِ ما عند المُعتزلةِ مِن تقديسٍ مُفرطٍ للعقلِ، قد أشادَ مثلُ (حمَّادي ذُوَيب) (٦) بشَجاعة رؤوسِهم القُدامى في تَقديمِ العقليَّاتِ على النَّص عند التَّعارض رغمَ أنوفِ أهلِ الحديثِ! ودَعا إلى اقتفاءِ أثَرهِم في استخدامِ منهجِ المُلاحظة والشَّكِّ في كلِّ شيءٍ، حتَّى في الأمورِ الدِّينيَّة!


(١) عادل العوَّا: فيلسوف سُوري، درس في جامعة السُّوربون بفرنسا، وترأس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية بجامعة دمشق، له عدة مؤلفات، منها: «المذاهب الأخلاقية»، و «الفكر الانتقادي لجماعة إخوان الصَّفا»، توفي (١٤٢٢ هـ).
(٢) «المعتزلة والفكر الحر» لعادل العوا (ص/٣٧٨).
(٣) انظر «الأسس الفلسفيَّة للعلمانيَّة» لعادل ضاهر (ص/٣٦٣)، وكتابَه الآخر «أوَّلية العقل» (ص/١٥٦).
(٤) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي المعاصر» لمحمد حمزة (ص/٣٣٥).
(٥) نَسَب الشِّهرستاني هذا في «الملل والنِّحل» (١/ ٨١) إلى رأسي الاعتزال: الجُبَّائي، وابنِه أبي هشام.
(٦) باحث تونسي حَداثيٌّ، يعمل أستاذًا محاضرًا بقسم العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس بتونس، حاصل على الدكتوراه عن رسالته «جدل أصول الفقه والواقع»، من مؤلفاته: «مراجعة نقدية الإجماع بين النظرية والتطبيق»، و «السنة بين الأصول والتاريخ».

<<  <  ج: ص:  >  >>