للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرى لم تجحَد صحَّةَ الحديث، لكنَّها استفرَغت جُهدَها في تأوُّله على غير ظاهرِه بتأويلاتٍ مُتضاربةٍ، تنزِع عن الحديثِ وصمَ المصادمةِ لبَدهيَّات العقول.

يقول أبو بكر ابن العربيِّ: «لمَّا سمِع النَّاسُ هذا الحديث .. قالت طائفة: لا نقبله، فإنَّه خَبر واحد، وأيضًا فإنَّه جاء بما يُناقض العقل، فإنَّ الموت عَرَض، والعَرض لا ينقلب جسمًا، ولا يعقل فيه ذبحًا، ولمَّا استحال ذلك عقلًا، وجب أن يُمنَح الحديث ردًّا!

وقالت طائفة أخرى: إنْ كان ظاهره مُحالًا، فإنَّ تأويله جائز، واختلفوا في وجهِ تأويله على أقوال .. أصلها قولان:

أحدهما: أنَّ هذا مَثَل، كما لو رَأى أحدٌ ذلك في المنامِ في زمانِ وَباء، فيُقال له: هذا الوَباء قد زال، ويقع في قلبِه في المنام أنَّ ذلك هو الوَباء، وأنَّه بِذبْحِه يرتفع عن المكانِ الَّذي هو فيه.

الثَّاني: أنَّ الَّذي يُؤتى به مُتَوَلِّي الموت، وكلُّ مَيِّت يعرفُه، فإنَّه توَلَّاه، فإذا استقرَّت المعرفة به، أُعدِم لهم العَدَم الَّذي عهِدوه .. » (١).

يقول ابن حجر معلِّقًا على هذا القول الثَّاني: «وارتضَى هذا بعضُ المتأخِّرين، وحَمَل قولَه: هو الموت الَّذي وُكِّل بنا: على أنَّ المُراد به: مَلَك الموت، لأنَّه هو الَّذي وُكِّل بهم في الدُّنيا .. » (٢).


(١) «العواصم من القواصم» (ص/٢٣٦).
(٢) «فتح الباري» (١١/ ٤٢١)، وقد سبق ابنَ العربيَّ إلى هذا التَّأويل: شيخُه أبو حامد الغزالي، كما تراه في رسالته «فيصل التَّفرقة «(ص/٢٥٨ ـ ضمن رسائل الغزالي).

<<  <  ج: ص:  >  >>