للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتأيِيدُنا للمُعتزلةِ للتِّيارِ العَامِّ وللحركةِ التَّاريخيَّة، وليس للتَّفصيلاتِ الجُزئيَّة في هذه النَّظرة أو تلك» (١).

وذاك (أَدُونيس) (٢)، مع إعلائه هو أيضًا مِن شأنِ الانحرافِ الاعتزاليِّ -لمِا يراه مِن انعتاقِهم نِسْبيًّا مِن سُلطةِ الوحيِ- يُؤكِّدَ على أنَّ هؤلاء: لا يُمثِّلون الأنموذجَ المُرتضَى الَّذي يُنْسَجُ على مِنوالِه، إذْ يَبقى أنَّه عَقلٌ وليدُ التَّديُّنِ لا التَّساؤلِ، فهو -بحسبِ كلامِه- ابنُ الله والوَحي! (٣)

فلذلك أستطيع القولَ:

أنِّي مع كلِّ هذا الَّذي سَرَدتُ مِن تمثُّلاتِ هذا الاتِّجاهِ في المُعاصرين -ومَن تركتُ ذكرَهم أكثرُ- لا أعلَمُ جماعةً مُعاصِرةً التزَمَت مذهبَ المُعتزلةِ طولَ الخطِّ، كأنْ تُوافِقهم في أصولهِم الخمسةِ بتمَامِها، أو تَتَبنَّى أرائَهم التَّفصيليَّة في سائرِ القَضايا (٤).

إنَّما تَنصَبُّ المُوافقة للمُعتزلةِ -غالبًا- على بعضٍ مِن أصولِهم المَنهجيَّة لا كُلِّها، مثل: وظيفةِ العقل، وتقديمِه على النَّقلِ، وتأويلِ النُّصوصِ الشَّرعيَّة على خلافِ ما عليه السَّلَف، واعتقادِ ظنيَّة الآحادِ مُطلقًا، وعدمِ الاعتدادِ بها في العَقائد، وفكرةِ الحُريَّة الإنسانيَّة، وما أشبهَ ذلك مِن المَسائل الَّتي اشتُهِروا بها.

هذا؛ والمُعتزلة لأدْيَنُ عندي وأتقى وأعلمُ بكثيرٍ مِمَّن يَزعُم الانتسابَ إليهم مِن عَقْلانِّيِي هذا العصر!


(١) «نقد الخطاب الدِّيني» لنصر أبو زيد (ص/١٨١).
(٢) علي أحمد سعيد إسبِر، المعروف باسمِه المُستعار: أدونيس، شاعر وكاتب سوريٌّ، تخرج من جامعة دمشق في الفلسفة، ودرَّس في الجامعة اللبنانية، وأثارت أطروحته «الثابت والمتحول» سخطًا كبيرًا عليه، وتلقَّى على إثرها عديدًا من الجوائز العالميَّة، انظر ترجمته في «أدونيس كما يراه مفكرون وشعراء عالميون» دار الطليعة - بيروت، ٢٠١١ م.
(٣) «الثابت والمتحول» لأدونيس (١/ ١٢٦ - ١٢٧).
(٤) انظر «مناهج الاستدلال على مسائل العقيدة الإسلامية بمصر في العصر الحديث» لأحمد قوشتي (ص/٧٩ - ٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>