للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث تكون دلالتُه مُنافيةً لمبدأِ عدمِ التَّناقضِ، أو مَنطويةً على ما فيه خرقٌ لقانونِ السَّببيَّة؛ وكذا يمتنع ورُوده بِرَفْعِ ما يَقْطَعُ الإدراكُ الحسِّيُّ بثبوتِه.

وفي تقرير هذه المسلَّمة، يقول أبو الوفاء ابن عقيل (ت ٥١٣ هـ): «أجمع العقلاء على أنَّه ما وَرد الشَّرع بما يخالف العقل» (١).

وأَمَّا أن يَرِدَ البرهانُ النَّقليُّ بِما لم يَدُلَّ عليه العقلُ: فهذا مُتَحقِّق، ولا مُعارضة حينئذٍ؛ لأنَّ الكلامَ إنَّما هو في دليلٍ نقليٍّ يؤدِّي مَفهومًا على خلافِ الضَّرورةِ العقليَّةِ، لا فيما يختصُّ به الدَّليل النَّقلُّي دون العقليِّ، مِمَّا يَعزُبُ عن العقل الدَّلالة عليه؛ لخروجِه عن مَجَالِهِ (٢)، فعندئذٍ لا يَدلُّ عليه ولا يَنفيه على السَّواء.

ذلك أنَّ العقلَ عندنا مَعاشر المسلمين «مَحكومٌ أوَّلًا بطبيعتِه، طبيعةِ أنَّه مخلوقٌ حادثٌ، ليس كُليًّا ومُطلقًا، ليس أوَّليًّا ولا أبَديًّا، ومِن ثَمَّ فإنَّ إدراكَه لابدَّ أن يكون محدودًا بما تحدُّه به طبيعتُه.

ثمَّ هو محدودٌ بوَظيفتِه، وظيفةِ الخلافةِ في الأرضِ، لتحقيقِ معنى العبادة فيها، ومِن ثمَّ فقد وُهِب مِن الإدراكِ ما يُناسب هذه الخلافةَ بلا نقصٍ ولا زيادة، وهناك أمورٌ لا يحتاج إليها في وظيفتِه هذه، ومِن ثمَّ لم يُوهَب القدرةَ على إدراكِ ماهيةٍ أو إدراكِ كيفيَّةٍ، وإنْ كان مَوهوبًا أن يُدرِك إمكانَها» (٣)، فتكون الدَّلالةُ على ذلك في مثل هذا المَقام مُقتصرةً على الدَّليلِ النَّقلي.

وإنَّما تَتحقَّق المنافاة بين نَقْلٍ مَنحولٍ وعقلٍ صَريح، أو بين عَقْلٍ مَدخولٍ وبين نقلٍ صحيح -وهذا الصِّنف مِن التَّعارُضِ هو المُراد تناولُه في هذه الدِّراسة لِما استُشكِل مِن أحاديثِ «الصَّحيحين» -.


(١) «كتاب الفنون» لابن عقيل (١/ ٤٠١).
(٢) «دفع دعوى المُعارض العقلي» (ص/٢٧).
(٣) «خصائص التَّصور الإسلامي» لسيد قطب (ص/٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>