فالتَّصوُّن -إذن- لا يَلزم منه جَبْر، بل الفِعْل صادرٌ عن اختيارِ الأنبياء عليهم السَّلام وإرادتِهم، بأمارةِ صدورُ الخطأِ منهم بما لا يَقدح في جانبِ التَّبليغ والرِّسالة! وحصولِ التَّوبة من ذلك بعد صدوره، وكِلا الفِعْلَين مِن التَّوبة والخطأ المُتاب منه، لا شكَّ أنَّهما صادران عن اختيارٍ؛ فإنَّه لا معنى للتَّوبةِ مِن عملٍ صَدر عن جَبرٍ!
وتكلُّف الأدلَّة على ثبوتِ اختيارِ الأنبياءِ مع تحقُّقِ العِصمةِ لهم في الوقتِ نفسِه قد يوهم خفاءَه وعدم جلائِه؛ وإِنَّما المقصود هو الكشف عن هذا الوضوح لمن غامَ أُفُقَه، وأضْحَت الدَّلائل الجليَّات في منزلة المُعمَّيات، والحقائق الواضحات كالمُشتِبهات!
فكذا الجواب على مسألةِ إسلامِ شيطانِ النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس فيها ما يَستلزم نفيَ الاختيار عنه، بل زيادة تفضيل وتكرمةٍ له، لِما تَقرَّر مِن تفضيلِه صلى الله عليه وسلم على جميع البَشَر؛ فإنَّ فيها زيادة عِنايةٍ وتصوُّنٍ له، لمُعاناتِه -عليه الصَّلاة والسَّلام- دعوةَ الثَّقَلين بعامَّة، ولأنَّ رسالتَه لا يَنسخُها شيءٌ إلى يومِ الدِّين، كانت هذه المَزيَّة -على فرضِ أنَّها مزيَّةٌ لم تُؤتاها باقي الرُّسل- لزيادةِ تكليفِه عن تكاليفِ باقي الرُّسل عليهم السَّلام.
ثمَّ إنَّ (حسن حَنفي) قد أخلَّ بالأمانة العلميَّة حين أعْمَل يدَ التَّحريف في حديث أنسٍ رضي الله عنه! حيث جعَلَ شقَّ صدره صلى الله عليه وسلم «لاستنزاعِ الشَّيطان»، بينما الَّذي ورد في الحديث:« .. حظّ الَّشيطان»، والفرق جليٌّ بين اللَّفظين! وإِنَّما صنَع ذلك، ليتمَّ له غَرَضُه مِن اختلاقِ التَّناقض بين هذا الحديث وحديث إسلام شيطانه صلى الله عليه وسلم! وهذا صنيع مَن لا ينشد الحقَّ ولا يبتغي الهُدى.
ولزيادةِ نفْيِ التَّناقض المدَّعَى يُقال: إنَّ هذه العَلَقة المُستخرَجة مِن قلبِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والَّتي قيل له عندها:«هذا حظُّ الشَّيطان»: هي -فيما يظهر- «مَنْفَذ ومَركز إغواء الشَّيطان في بني آدم»، ليست هي شرًّا في ذاتها، أو مُولِّدَةً له -كما فهمه (النَّجمي) في المعارضة الثَّالثة! - فبانتزاعِ هذا المَنفذ أو المَركزِ منه صلى الله عليه وسلم،