للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذا نكون قد وصلنا إلى حَدٍّ السُّؤال المِحوَريِّ الَّذي ابتُنيت على أساسِه الشُّبهة في ردِّ كلامِ نافعٍ، من قولهم: هل يجوِّزُ الإسلامُ مُقاتلةَ المُشركين بَغتةً كما وَقَع لبني المُصطلِق، دونما دعوةٍ أو تبليغٍ سابق؟!

والجواب عليه أن يُقال: لا خلافَ بين الفقهاء في تحريمِ قِتالِ من لم تبلُغه دعوةُ الإسلامِ، حتَّى تصِله الحُجَّة، وتَستبينَ له المحَجَّة، وفي تقريرِ هذا الإجماع، يقول ابن رشدٍ الحَفيد: «أمَّا شَرطُ الحربِ: فهو بلوغُ الدَّعوةِ باتِّفاقٍ، أعني أنَّه لا يجوز حَرابَتهم، حتَّى يكونوا قد بلَغَتهم الدَّعوة، وذلك شَيءٌ مُجمَع عليه مِن المسلمين» (١).

إنَّما مَحلُّ الخلاف هنا: في مَن عُلِم بلوغُ الدَّعوةِ إليهم، هل يجِبُ تَكرارُ دَعْوَتِهم قبل العَزْمِ على غَزْوِهم أم لا؟

والَّذي يُصحِّحه أغلبُ الفقهاء: أنَّ تَكرارَ الدَّعوة عند العَزمِ على الحَربِ ليس بشرطٍ، حيث استفَاضَت في المُحيطِ القريبِ مِن مَنبعِ الدَّعوة، فهي واقعة حُكمًا، بحيث يَعلم القومُ إلى ماذا يُدْعَون وعلى ماذا يُقاتَلون، فيُقام ظهورُها على هذا النَّحوِ مَقام تخصيصِها لكلِّ قومٍ على حِدَة؛ وهذا مَذهب الجمهورِ مِن أهل العلم (٢).

يقول الشَّافعي: «لا يُقاتَل العدوُّ حتَّى يُدعَوا، إلَّا أن يَعجلوا عن ذلك، فإن لم يُفعَل فقد بَلَغتهم الدَّعوة» (٣).

وإن كان لا يُشَكُّ أنَّ في بلادِ الله مَن لا شعورَ له بهذا الأمر، ومَن يُستراب في بلاغِه، فيجب أن يكون الأصل حينها: ظنُّ أنَّ هؤلاء لم تبلُغهم الدَّعوة، فيُبلَّغون أوَّلًا.

وفي تقرير هذا التَّفصيل يقول مالك: «مَن قارَب الدُّروب، فالدَّعوة مَطروحة عنهم، لِعلمِهم بما يُدعَون إليه، وما هم عليه مِن البُغض والعداوةِ للدِّين وأهلِه،


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١٤٩).
(٢) انظر «شرح النووي على مسلم» (١٢/ ٣٦)، و «الفتح» لابن حجر (٦/ ١٠٨).
(٣) «جامع الترمذي» (٤/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>