إنَّ غَلطَ عامَّة القائلين بهذه القِسمة الخاطئة لما هو قطعيٌّ وظنيٌّ من دلائل العقل والنَّقل: ناجمٌ عن نقصِ تشرُّبٍ لدلائلِ الشَّريعة، فما عادَت تُفيد في قلوبِهم ذاك اليقينَ الَّذي تُفيدُه الدَّلائل العَقليَّة الَّتي أقبلوا عليها؛ مِمَّا أدَّى بهم إلى مَزيدٍ مِن الإعراضِ عن أخبارِ الآحادِ، ومِن ثَمَّ استسهلوا رَدَّها لأدنى شُبهةِ مُخالفةٍ لتصوُّراتهم.
فالخطرُ كلُّ الخطر، أن تكون سُنَن النَّبي صلى الله عليه وسلم في نَظر المسلمين تابعةً لعقولهم المُتنافرة، والخيرُ كلُّ الخير في أن يكون الدِّين بسُنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم حاكمًا، والعقل مُفسِّرًا ومُبيِّنًا، مَخلوقًا ليَسير خلفَه، لا ليُواجِهَه؛ فإنَّ مَثَل العقلِ كالبَصَر، ومَثل السُّنة كالضِّياء، فإذا واجَه البَصر الضِّياءَ احترقَ وعَمِي، وإذا استضاءَ به انتفعَ.
وإنِّي لأضمنُ لإخواني من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّهم إن ساروا وراء سُنّته تفقُّهًا على أصولِ فقهاء الأمَّة، ثمَّ أحسنوا تنزيلَها على واقِعهم بالحكمةِ وحُسنِ السِّياسة: أنَّه يتمُّ لهم كلُّ شيء، ويبلغوا ما يُريدونه مِن الجامعتين الدِّينيَّة والسِّياسيَّة، كما تَمَّ لأسلافِهم في العهدِ الأوَّل؛ والله الهادي لا إله إلَّا هو.