للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله تبارك وتعالى لم يخلُق آدمَ على صورتِه سبحانه، ولا قريبًا مِن صورتِه، لأنَّه تَنزَّه عن ذلك: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١]» (١).

الشُّبهة الثَّانية: أنَّ القولَ بأنَّ خَلْقَ أبينا آدم عليه السلام كان بهذا الحجمِ الكبير، وأنَّ ذرِّيتَه لازال خلقُهم ينقُص عن ذلك إلى الآن: دَعوى يخالِفُها المُشاهَدَ المَحسوسَ مِن آثارِ الماضِين.

بيان ذلك في ما اعترضَ به (الكرديُّ) على هذا الحديث، حيث قال: «الإشكال الأهمُّ لأنَّه غير قابل للتَّأويلِ: هو إثباتُ طولِ سِتِّين ذراعًا لآدم أبي البَشَر، والذِّراع عند العَرب إمَّا شرعيَّة -وهي ذراع اليَد، وتُقدَّر بـ ٢٤ إصبع، أي ٤٨ سنتمِترًا-، أو هاشميَّة -وهي ٣٢ إصبعًا، أي ٦٤ سنتمترًا-، فعلى القَوْلين، يكون طولُ آدمَ حوالي ثلاثين مِترًا! وأنَّ البَشَر مازالوا يَنقصُون حتَّى بلَغوا الطُّولَ الحالي (بين ١،٥٠ مترًا ومترين).

وهذا يخالفُ كلَّ ما اكتشَفَه علماء الآثارِ والحفريَّات عن أقدمِ هياكل البَشَر العَظميَّة، الَّتي لا يختلف طولها عمَّا عليه الإنسان الآن إلَّا يسيرًا، كما أنَّه لم يُلاحظ أنَّه هناك قِصَر تَدريجيٌّ لهياكلِ الإنسان على هذا النَّحو المذكور، بأن يكون طوله في الثَّلاثينات مترًا، ثمَّ يَتَدرَّج نحو العشرينات، فالعشرة أمتارٍ .. إلخ.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ هذا الإشكالَ قال:

«يُشكل على هذا ما يوجد الآن مِن آثارِ الأُمَم السَّالفة، كديارِ ثَمود، فإنَّ مَساكنهم تدلُّ على أنَّ قاماتهم لم تكُن مُفرطةَ الطُّول على حسبِ ما يَقتضيه التَّرتيب السَّابق، ولا شكَّ أنَّ عهدَهم قديمٌ، وأنَّ الزَّمان الَّذي بينهم وبين آدم، دون الزَّمانِ الَّذي بينهم وبين أوَّل هذه الأمَّة، ولم يَظهر لي إلى الآن ما يُزيل هذا الإشكال» (٢).


(١) «الحديث والقرآن» لابن قرناس (ص/١٦٥)، وانظر «تفعيل قواعد نقد متن الحديث» للكردي (ص/١٨٣)، و «أضواء على الصَّحيحين» للنجمي (ص/١٦٧).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>