للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تقرير هذين الاعتراضين، يقول (أبو الأعلى المَوْدوديُّ):

«لسُوءِ الحظِّ، وَرَد في روايةٍ مِن الرِّواياتِ: أنَّ إبراهيم عليه السلام كَذَب في حياتِه ثلاثَ كذبات .. ففرقةٌ تغلو في عبوديَّة الرِّواية، إلى أن يعزَّ عليها صدقُ عِدَّة رُواةٍ من «الصَّحيحين» للبخاريِّ ومسلم، ولا تُبالي بأنْ تُثبتَ بذلك تهمةَ الكذبِ في حَقِّ نبيٍّ من الأنبياء، وفِرقةٌ تَهجُم على ذَخيرةِ السُّنَّة كلِّها، بسبِبِ هذه الرِّواية، وتقول برَفضِ جميعِ الأحاديث، لوجود مثلِ هذه الرِّوايات ..

وهذا الحديث الَّذي ذُكِرت فيه الكَذِبات الثَّلاث لإبراهيم عليه السلام، ليس محلَّ الاعتراض لأجلِ أنَّه يُثبت الكذبَ في حقِّ نبيٍّ من الأنبياء فحسب، بل هذه الأمور الثَّلاثة نفسُها أيضًا مَحلُّ النَّظرِ والدِّراسةِ، ولقد رأيتَ -حقيقةً- كذبةً من هذه الكذبات آنفًا (١)، ولا يُطلِق الكذبَ على قوله هذا [إلَّا] رجلٌ قليل العَقلِ والفهمِ في هذا السِّياق! فضلًا أن تتوقَّع -معاذَ الله- عدمَ فهم النَّبي صلى الله عليه وسلم إيَّاه!

وأمَّا قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}: فلا يثبُت كونُه كذِبًا، إلى أن لا يَثْبُت أنَّ إبراهيم عليه السلام كان صحيحًا مُعَافىً حينئذٍ حَقًّا! ولم يكُن يَشتكي بأدنى شيءٍ مِن المَرض، وهذا لم يُذكَر في القرآن، ولا في أيِّ روايةٍ مُعتبرةٍ، غير هذه الرِّواية الَّتي نحن بصدَدِ البحثِ فيها (٢).

وأمَّا قوله في زوجتِه سارَة «إنَّها أختي»: فهو بنفسِه أمرٌ مُهمَل، يحكم عليه الإنسان بمُجرَّد سماعِه أنَّه لا يكون الواقعُ أبَدًا» (٣).

ويفصِّل هذا (السُّبحاني) قائلًا: «لا دليلَ على أنَّه كَذَب في المَوارد الثَّلاثة المعروفة، .. وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، فليس بكذبٍ قطعًا، فإنَّ الصِّدقَ


(١) يعني قولَ إبراهيم عليه السلام: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، فقد ذكر المودودي في «تفسيره» بأنه لم يُرد بذلك الكذب، بل قاله إقامة للحُجَّة عليهم.
(٢) نقل السُّبحانيُّ هذه الشُّبهة عينَها في كتابه «الحديث النبوي بين الدِّراية والرواية» (ص/٥٣٦) دون عزوٍ إلى المودوديِّ.
(٣) «تفهيم القرآن» للمودودي (٣/ ١٦٧ - ١٦٨) نقلًا عن «زوابع في وجه السُّنة» (ص/١٢٩ - ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>