للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماذا قال لنا البخاريُّ؟ قال: إنَّ موسى رَفض أن يموتَ، وضَرَب مَلَك المَوت على عينه، ففقأها، فرَجَع ملَك الموت إلى ربِّه، فرَدَّ له بصره، كيف يجوز هذا؟ والقرآن يقول في قطعٍ لا لبس فيه: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح: ٤] .. إنَّ الحديث واضحُ الزَّيْفِ، ومثلُه كَثيرٌ في البخاريِّ»! (١)

فهذه إشارةٌ لبعضِ مَقالاتِ المُنكرين لهذا الحديث النَّبويِّ، قد اعتلُّوا لها بجُملةِ معارضاتٍ، هي على النَّحوِ التَّالي:

المعارضة الأولى: أنَّ في فعلِ موسى عليه السلام مع المَلَكِ، وشكايةِ الملَك منه: إخلالًا بما يَليق مِن الأدَب مع الله تعالى؛ إذْ كيف جازَ له إهانةَ رسولِه الملَكيِّ مِن غير نُصرةٍ مِن الله له؟ (٢)

المعارضة الثَّانية: أنَّ في فِعلِ موسى عليه السلام مُنافاةً لجَنابِ النُّبوة، ورتبةِ الرِّسالة، مِن جهتين:

الجهة الأولى: أنَّ في فَقئِه لعَينِ الملَك مُراغمةً لمُرْسِلِه وهو الله تعالى، إذْ لو فَقَأ أَحدُنا عَينَ واحدٍ مِن النَّاسِ لَعُدَّ ذلك استطالةً، وبَغيًا، وفسقًا؛ فكيف حال مَن فَقأ عينَ مَلَكٍ مُقرَّب؟! لا ريب أنَّ فسقَه أعظم وأبيَن (٣).

الجهة الثَّانية: أَنَّه مُنافٍ لما يَنبغي أن يكون عليه عِبادُ الله الصَّالحون مِن عظيم الرَّغبة والشَّوقِ للقاءِ الله؛ فضلًا عن خاصَّة عبادِ الله، وهم رُسل الله، الَّذين هم مَحلُّ الاقتداءِ، وأنَّ الَّذي يَدلُّ على انتفاءِ هذه الرَّغبة والشَّوق عند موسىعليه السلام، قول المَلَك لله تعالى: «أرسلْتَني إلى عبدٍ لا يُريد الموت!»، فـ «مالَّذي يكرهه موسى مِن هذا اللِّقاء الحَتم؟ إنَّ هذا الكُرْهَ تحوَّل إلى جزعٍ وغضبٍ، جَعلا موسى يفقأ عينَ الملَك كما يُقال» (٤).


(١) «الشفاعة» لمصطفى محمود (ص/١١٤ - ١١٥).
(٢) انظر «توضيح طرق الرَّشاد» للقاضي محمَّد العَلوي (ص/١٩٧).
(٣) انظر «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» للسُّبحاني (ص/٣٣٢).
(٤) «السُّنَّة بين أهل الفقه وأهل الحديث» لمحمد الغزالي (ص/٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>