للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّائل والمَسئول، نحو قولك: كيف علمُ زيد؟ وكيف نسجُ الثَّوب؟ ونحو هذا، ومتى قُلتَ: كيف ثوبك؟ وكيف زيد؟ فإنَّما السُّؤال عن حالٍ من أحوالِه.

وقد تكون (كَيْفَ) خبرًا عن شيءٍ شأنُه أن يُستفهم عنه بـ (كَيْفَ)، نحو قولك: كيف شئتَ فكُن، ونحو قول البخاري: كيف كان بدءُ الوحي.

و (كَيْفَ) في هذه الآية إنَّما هي استفهامٌ عن هيئةِ الإحياء، والإحياء مُتقرَّر، ولكنْ لماَّ وجدنا بعضَ المُنكِرين لوجودِ شيءٍ قد يُعَبِرُّ عن إنكارِه بالاستفهامِ عن حالَةٍ لذلك الشَّيء يَعلمُ أنَّها لا تَصِحُّ، فيلزَمُ مِن ذلك أنَّ الشَّيءَ في نفسِه لا يَصِحُّ، مثال ذلك: أن يقول مُدَّع: أنا أرفعُ هذا الجبل، فيقول له المكذِّب: أَرِني كيف ترفعُه! فهذه طريقةُ مَجازٍ في العبارة، ومعناها تسليم جَدَليٌّ، كأنَّه يقول: اِفرضْ أنَّك ترفعه، أرني كيف؟ فلمَّا كان في عبارة الخليل عليه السلام هذا الاشتراكُ المَجازيُّ، خَلَّص الله له ذلك، وحمله على أن يُبَيِّن الحقيقة، فقال له: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى} [البقرة: ٢٦٠]، فكمَّل الأمر، وتخلَّصَ مِن كلِّ شكٍّ، ثمَّ علَّل عليه السلام سؤالَه بالطُّمأنينة» (١).

فلمَّا كان الوَهم قد يَتلاعبُ ببعضِ الخواطرِ، فيطرِّقَ إلى إبراهيمَ عليه السلام شكًّا مِن هذه الآية، حتَّى قِيل أنَّها حينَ نَزَلَت قال بعضُ النَّاس: «شكَّ إبراهيم ولم يشكَّ نبيُّنا»! (٢) كان أنْ قَطَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم دابِرَ هذا الوَهمِ بقوله: «نحن أحقُّ بالشَّكِ مِن إبراهيم»، وهذا صادرٌ مِن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم على الفَرْضِ الذِّهني، والتَّقدير الشَّرْطي، فكأنَّه قال: لو شَكَّ إبراهيم في إحياءِ الموتى، لكُنَّا نحن أحقَّ بالشكِّ منه، ولم نشُكَّ نحن، فهو إذْن أَوْلى وأحقُّ بألَّا يشُكَّ (٣).


(١) «المحرَّر الوجيز» (١/ ٣٥٣).
(٢) انظر «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/١٥٩)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطَّال (٩/ ٥٢٥).
(٣) إلى هذا المعنى ذهب جمهور أهل العلم، انظر إضافةً إلى مَن مضى: الطَّحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١/ ٢٩٧)، والخطَّابي في «أعلام الحديث» (٣/ ١٥٤٥)، والقاضي عياض في «الشِّفا» (٢/ ٤٨)، والنووي في «شرح صحيح مسلم» (٢/ ١٨٣)، وابن حجر في «فتح الباري» (٦/ ٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>