للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث، فحذَفَ منه إجابةَ الخليفة «لا تُصَلِّ»، وذلك حِفظًا لكرامةِ الخليفة مِن أن تُنال» (١).

والمثال الثَّاني:

ما أخرجه البخاريُّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم «ضَرَب في الخمرِ بالجريدِ والنِّعالِ، وجَلَد أبو بكر أربعين» (٢).

أورد (النَّجمي) ما يُدلِّل به على اختصارِ البخاريِّ لهذا الحديث، فيما أخرجه مسلم من حديث أنس نفسِه: «أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجلٍ قد شرب الخمر، فجلَدَه بجريدتين نحوَ أربعين، قال: وفَعَله أبو بكر، فلمَّا كان عمر استشارَ النَّاس، فقال عبد الرَّحمن: أخَفُّ الحدود ثمانين، فأمَرَ به عمر» (٣).

فزَعم (النَّجمي) بهذا، أنَّ «عُمر لمَّا تَقَلَّد الخلافةَ بعد أبي بكر، تَرَك الحكمَ النَّبويَّ، ولجَأَ في حَدِّ شاربِ الخمرِ إلى رأيِ الآخرين، وأفتَى برأيِ عبد الرَّحمن بنِ عوفٍ، فَجلَد ثمانين جلدةً .. فكيف يَخفى عليه حكمُ مسألةٍ قد عُمِل به مُدَّةً طويلةً، فيلجأَ إلى رأيِ الآخرين، ويترك العملَ بسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وما تَقيَّد به مَن سَبَقه بالخلافة؟! .. أو أنَّ الصَّفقَ بالأسواقِ والعمل بالتِّجارةِ ألهاه عن معرفةِ الحكم وتعلُّمه؟!

فلمَّا كان هذا الحديثُ على خلافِ مَذاقِ البخاريِّ ومَذهبِه، بادَرَ رعايةً لمقامِ الخليفة إلى تقطيعِه، بنقلِ أوَّلِه الَّذي بَيَّن فيه حُكمَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالتَّعزير، ومُتابعة أبي بكر لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأسقطَ ذيلَه الَّذي فيه استشارةُ عمر لبعضِ الأصحاب» (٤).


(١) «أضواء على الصحيحين» (ص/١١٧ - ١١٨).
(٢) أخرجه البخاري (ك: الحدود، باب: ما جاء في ضرب شارب الخمر، برقم: ٦٧٧٣).
(٣) أخرجه مسلم (ك: الحدود، باب: حد الخمر، برقم: ١٧٠٦).
(٤) «أضواء على الصحيحين» (ص/١١٩ - ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>