للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتراض الثَّاني: أنَّ وصفَ النِّساء بنقص العقل تحقير لهنَّ، وهو مخالف للآيةِ نفسِها المُستشهد بها على ذاك النَّقص! وذلك في قوله: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢]، حيث بيَّن الله فيها أنَّ علَّة اعتبارِ شهادة المرأة نصفَ شهادة الرَّجل هو نسيانها، لا نقص عقلِها كما في الحديث.

يقول إسلامبولي: «جعلُ الشَّهادة في الذِّمم الماليَّة لامرأتين عِوضًا عن رجل، ليس ذلك عائدّا لقصور ونقصان عقل المرأة أبدًا، والآية لم تذكر ذلك، بل صرَّحت بالسَّبب إلى أنَّه إذا ضلَّت إحداهما فتُذكِّرها الأخرى .. » (١).

ويقول زُهير الأدهمي: «معنى: تضِلَّ -أي في الآية- تنسى، بالإجماع فيما اطَّلعتُ عليه من مصادر .. والنِّسيان حالة نفسيَّة لا عقليَّة كما هو مشهور عند علماء وأطبَّاء النَّفس، هذه الحالة الَّتي هي نتيجة لتعرُّض المرأة إلى الحيض، فجسم المرأة يفرز هُرموناتٍ قبل فترة الحيض وفي أثنائها تؤدِّي إلى الشُّعور بالتَّوتر والضَّغط النَّفسي، ممَّا يؤدِّي بدوره إلى قلَّة التَّركيز وإمكانيَّة النِّسيان عند المرأة، فالنِّسيان على ذلك عارض، أسبابه نفسيَّة خالصة .. والنَّص القرآني لا يحتوي على أيَّة إشارة إلى أنَّ السَّبب في ذلك قلَّة عقلها .. وحدَّده باحتمال النِّسيان، هذا السَّبب الَّذي لا علاقة له بالعقل على الإطلاق» (٢).

ثمَّ يبني الأدهميُّ على هذه المعارضة المتوهَّمة لمعنى الآية، أنَّ وصفَ الحديث النِّساء بقلَّة العقل امتهانٌ لجنسهنَّ، فإنَّ قلَّة العقل مُنبئة عن حُمق صاحبه!

فيقول: «ما زلت أرى صعوبة كبيرةً في تحديد المدلول لعبارة (نقص العقل)، هل هو الحمق؟ .. » (٣)؛ ثمَّ نقل عبارةً لابن منظورٍ في شرحهِ لفظَ (الحُمق) بأنَّه «قلَّة العقل .. » (٤)، ولفظ (الطَّيش) بأنَّه «خفَّة العقل» (٥)، ليخرُج


(١) «تحرير العقل من النقل» (ص/٢٤١).
(٢) «قراءة في منهج البخاري ومسلم في الصحيحين» (ص/١٩٩).
(٣) «قراءة في منهج البخاري ومسلم في الصحيحين» (ص/٢٠٩).
(٤) «لسان العرب» (١٠/ ٦٧، مادة: ح م ق).
(٥) «لسان العرب» (٦/ ٣١٢، مادة: ط ي ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>