للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان في المتأخِّرين أيضًا مَن طعنَ في أسانيدِ هذا الحديث؛ مِن أمثالِ ابن الجوزيِّ، والذَّهبي، والنَّووي (١)، وابن تيميَّة -وسيأتي كلامُه-، بل أشارَ ابن دقيقِ العيد إلى أنَّ عدم إثباتِه هو مَذهب أهلِ الحديث (٢).

لكنَّ الغُماريَّ مع إقرارِه بما أشار إليه ابن دقيق العيد، واعترافِه بأنَّ إنكارَ الحديثِ مَذهبُ عامَّةِ المُتقدِّمين (٣)، إلَّا أنَّه -كعادته- لم يُبال باتِّفاقِهم، فحَكمَ بصِحَّة الحديثِ في جزءٍ مُفردٍ مشهور له، سَمَّاه «فتح الملِك العَليِّ، بصحَّةِ حديثِ: بابُ مدينةِ العلمِ عليّ».

فإن قيل: مُجرَّد وَهاءِ الطُّرقِ أو تُهمةِ السَّرقةِ للحديث، لا يكفي للحكمِ على الحديثِ بالوَضع رأسًا، بل كثرتها تدلُّ على أنَّ له أصلًا.

قلت: قد كانَ قولُ هذا جديرًا بالنَّظر، لولا أنَّ في متنِه ما يَدلُّ على وَضْعِه، ذلك أنَّ «الشِّيعةَ إنَّما أرادوا به التَّمثيل أنَّ أخذَ العلمَ والحكمةَ منه صلى الله عليه وسلم مُختصٌّ بعليٍّ، لا يتجاوَزه إلى غيره إلَّا بواسطتِه رضي الله عنه، لأنَّ الدَّار إنَّما يُدخَل فيها مِن بابِها» (٤).

وهذا ما بَينَّ ابن تيميَّة بُطلانَه فقال:

«حديث: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها» أضعفُ وأوهى؛ ولهذا إنَّما يُعَدُّ في المَوضوعاتِ، وإنْ رواه التِّرمذي، وذَكَره ابن الجوزيِّ، وبيَّن أن سائرَ طُرقِه مَوضوعة.

وهذا الكذبُ يُعرَف مِن نفسِ متنِه، فإن النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينةَ العلمِ، ولم يكُن لها إلا بابٌ واحدٌ، ولم يُبلِّغ العلمَ عنه إلَّا واحدٌ: فسَدَ أمرُ الإسلام، ولهذا اتَّفقَ المسلمون على أنَّه لا يجوز أن يكون المُبلِّغ عنه العلمَ واحدٌ، بل يجبُ أن


(١) قال عنه: باطل، في «تهذيب الأسماء واللُّغات» (١/ ٣٤٨).
(٢) «شرح الإلمام» لابن دقيق العيد (٣/ ٥٢٤).
(٣) كما في كتابه «المُداوي» (٥/ ٣٦٣).
(٤) «مرقاة المفاتيح» (٩/ ٣٩٤٠) نقلًا عن الطَّيبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>