للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمجموع هؤلاء: أربعة عشر راويًا، مِمَّن لا يجوز أن يُقال: «إنَّهم نواصبُ أخرجَ لهم الشَّيخان في كِتابيهما»، فهم بما ذكرنا خارجَ الحِسبة الجَدَليَّة مع الإماميَّة.

ليَبْقى معنا مِن الرُّواة الَّذي يغلِبُ على الظَّن تلبُّسهم بالنَّصبِ أو يُقطَع به: أربعةٌ فقط.

هؤلاء الأربعة إنَّما رَوى لهم الشَّيخان أحاديث قليلة جدًّا، بل وعلى مَذهبِ من يَشترط للرِّوايةِ عن أهل البِدَعِ أن لا يرويَ ما يُقوِّي بدعَتَه (١): فإنَّ هؤلاء الأربعة، قد خُرِّج لهم في «الصَّحيحين» ما لا يُقويِّ بدعتَهم، إنَّما هي نُتَفٌ في بعض (الفروعِ الفقهيَّة) أو (الأذكار)، فهم بعيدون في هذا عن التُّهمة جزمًا.

والشَّيخان لا يخرجان لأمثال هؤلاء إلَّا ما تبيَّن لهما قوَّته.

وبهذا تنفكُّ سُمعة الشَّيخين عن مَذمَّة الرِّواية عن النَّواصبِ في كِتابيهما، وأنَّ ما حَصَل فيهما مِن الرِّواية عن نَفَرٍ منهم قليل، فإنَّما كان بعد الثِّقة منهما بحفظِهم وصدِقهم، فيجوز -والحال كذلك- أن يُروَى عنهم ماداموا داخلَ حِمَى الإسلام، فإنَّ هؤلاء لم يبلُغوا أن يُكفِّروا عليًّا رضي الله عنه، ولا عادَوا جميعَ أهل البيت، وإنَّما حالُهم كما أوضحَه الذَّهبي في تقسيمٍ له بديعٍ، يقول فيه:

«كان النَّاس في الصَّدرِ الأوَّلِ بعد وَقعةِ صفِّينَ على أقسامٍ:

أهل سُنَّة: وهم أولو العِلم، وهم مُحبُّون للصَّحابة، كافُّون عن الخوضِ فيما شجَر بينهم؛ كسعدٍ، وابن عمر، ومحمَّد بن سلمة، وأُمَم.

ثمَّ شيعة: يَتَوالَوْن، ويَنالون مِمَّن حاربوا عليًّا، ويقولون: إنَّهم مُسلِمون بُغاةٌ ظَلَمَة.

ثمَّ نواصب: وهم الَّذين حاربوا عليًّا يومَ صفين، ويُقِرُّون بإسلامِ عليٍّ رضي الله عنه وسابِقيه، ويقولون: خَذَلَ الخليفةَ عثمان رضي الله عنه.


(١) انظر «فتح المغيث» للسخاوي (٢/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>