للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلقد وقع المؤلِّف بهذه النَّفسية المضطربةِ بالغيظِ على البخاريِّ في كثيرٍ مِن الخطايا المنهجيَّة، منها:

انتزاعه للنَّتائج الحُكميَّة مِن مُسلَّماتٍ أوَليَّة: كأنْ يهرِفَ في بعضِ تعليقِاته بالطَّعنِ على أيِّ حديثٍ فيه فضيلةٌ لصَحابيٍّ، لمُجرَّد أنَّه صحابيٌّ، فالحَقُّ عنده أن يكون مِن أهل النِّفاق!

بل كان من فظيعِ استنتاجاته: استدلاله على تفشِّي النِّفاقِ في الصَّحابةِ، بقولِ ابن أبي مليكة: «أدركتُ ثلاثين مِن أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، كلُّهم يَخافُ النِّفاق على نفسه»! وحكاية مثل هذا الهراء تُغني عن إبطالِه، مع قولِه بعدها: «الشَّاهد على ذلك: ما تقوله العامَّةُ بتعريفِ الصَّحابي: أنَّه مَن لَقِي النبَّي صلى الله عليه وسلم في حياته مُسلمًا، وماتَ على إسلامِه .. إذن، فعبدُ الله بن أبيِّ بن سلول -هذا المُنافق- يُدرَج مع الصَّحابة!» (١).

ومعلومٌ عند وِلدانِ الكَتاتيبِ، أنَّ الرَّجل إذا كان على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم مَعلوم النِّفاق، فإنَّ ذلك مِن مَوانع اتِّصافِه بالصُّحبةِ أصلًا.

فهكذا أغلبُ حالِه في تَعَقُّباتِه لأحاديثِ «الصَّحيحين»، كثير الإلزامِ لأهلِ السُّنةِ بما لا يَلزم، تراه -مثلًا- يَردُّ حديثَ رُؤيا النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسَه يُعطي فضلَ لَبنٍ شَرِبه لعمر رضي الله عنه، وتأويلَه إيَّاه بالعلم، فيُعارِضه (جوادٌ) بالحديثِ المشهورِ في إنكارِ امرأةٍ على عمر نهيَه عن المغالاةِ في المهور (٢)! بدعوى: أنْ كيف يجتمعُ علمُه هذا، مع استدراكِ هذه العامِيَّة عليه؟! حيث اختلط في عقله بين الأعلَمِيَّة والعِصمة.

ليختمَ بعدُ نقدَه لهذا الحديث بظَريفِ قولِه: « .. ثمَّ ألَا يعلمُ أهلُ العامَّةِ بأنَّ الفضائلَ لا تُكتَسبُ بالرُّؤيا والأحلام؟!» (٣).


(١) «كشف المتواري» (١/ ٦٧ - ٦٨).
(٢) وقد عزا المؤلف هذا الأثر إلى تفسير الزمخشري (١/ ٤٩١)، مع كونه بأسانيده في غير ما مُصنَّفٍ من مُصنَّفات الحديث، وهذا من عَوار التَّخريج!
(٣) هذا النَّص والذي قبله في «كشف المتواري» (١/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>