للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان هذا حاله مع الوحيِ المُبِين -وقد أغبى عنه فهمُه- فهو لكلامِ أئمَّة الحديثِ أعوج فهمًا! نظير زعمِه -في نفسِ مَقالِه الأوَّل هذا في البخاريِّ- أنَّ الذَّهبيَّ «وَصَلَ إلى نتيجةِ: أنَّ علماء هذا الشَّأن لم يَتَّفقوا على توثيق راوٍ أو تضعيفِه».

وهذه فريةٌ لم يقُلها الذَّهبيُّ قطُّ -وحاشاه- ولكن تابَعَ فيها (صبحي) أستاذَه في التَّحريفِ (أبو ريَّة)! (١)

إنَّما عبارة الذَّهبي قولُه: « .. ولكنَّ هذا الدِّينَ مُؤيَّدٌ مَحفوظٌ مِن الله تعالى، لم يَجتمع علماؤُه على ضلالةٍ، لا عَمْدًا ولا خطأً، فلا يَجتمِعُ اثنانِ على توثيقِ ضعيفٍ، ولا على تضعيفِ ثقة»! (٢).

وأُراني لا أحتاج إلى بيان الفرقِ بين العِبارتين لِمن عنده مسكة فهم.

ومِن ذلك أيضًا: دعواه أنَّ الحاكمَ النَّيسابوريَّ لم يَضع كتابَه «المُستدرك» إلَّا للمُقارنة بين مَرويَّات البخاريِّ ومسلم! .. وحسبُك بهذا أمارةً على تعالُمِه وقلَّةِ دينِه، إن كان له دينٌ؛ وكلّ حديثيٍّ يعلم أنَّما قصد الحاكم بذا استدراكَ أحاديث لم يخرجها الشَّيخان في صحيحيهما مع أنَّها على شرطهما.

فهل يحقُّ لمثل هذا أن يهمِس ببنتِ شفةٍ في حقِّ سُنة النَّبي صلى الله عليه وسلم ومُصنَّفاتها؟! فضلًا عن أن يَتطاول على جهابذةِ المحدِّثين؟! أم يحقُّ لمثله أن يبديَ رأيًا في ما تعلَّق بالإسلام أصلًا؟!

العجيب في الأمر، أنَّ الرَّجل على كثرةِ ما يصدر منه مِن كذباتٍ وتحريفات، أقرُّ له بصدقِ حكمٍ أصدره في مقالته الكَذوبة تلك، يعني بها غيرَه،


(١) يقول مصطفى السِّباعي في «السنة ومكانتها في التشريع» (ص/٢٦٨) ردَّا على محمود أبو رية تحريفَه لكلام الذهبي: «الذهبي يريد أن يقول: إن علماء هذا الشأن متثبتون في نقد الرجال، فلم يقع منهم أن اختلفوا في توثيق رجل اشتهر بالضعف، ولا في تضعيف رجل عرف بالتثبت والصدق، وإنما يختلفون فيمن لم يكن مشهورًا بالضعف أو التثبت .. ألا ترى إلى قوله: توثيق (ضَعِيفٍ) وتضعيف (ثِقَةٍ)، ولو كان مراده كما فهم المؤلِّف، لقال: لم يجتمع اثنان على توثيق رَاوٍ ولا على تضعيفه».
(٢) «الموقظة» (ص/٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>