موسوعةٍ! يفزعُ إليها كلُّ مَن أزعجته ضوضاءُ الشُّبهات على حديثٍ آمن به في «الصَّحيحين»، ليَرى فيه تَتْبيرَها لَبِنةً لَبِنةً.
فلا ينبغي لطالبِ التَّنقيح والتَّحقيق، ومُبتغي الإتقان والتَّدقيق، أن يلتفتَ إلى سآمة ذَوي البطالة، وأصحاب الكسل والمَلالة، بل يفرح بما يجده في هذا الكتابٍ من العلم مَبسوطًا، وما يصادفه مِن حلِّ المُشكلات واضحًا مضبوطًا، ويدعُو لكاتبه بالخيرِ.
فلقد عشتُ معه في جنَّة مشاعر لا أحسبُ غيري عاشَها من أترابي، أعدُّها من أفضل سنين عمري؛ مع ما كنت أعانيه وقتها من قلَّة ذات اليد، وصعوبةٍ في رقمه على حاسبي العَيِيِّ المُتعطِّل مرارًا! وفتور كان ينتابُني قليلًا أثناء ذلك، لا يلبث أن ينقشع عن نفسي بمجرَّد نظرة منِّي إلى ورقة ألصقتها قصدًا على باب مكتبتي! عليها كلمةُ حبيبي البخاريِّ لتلميذه محمَّد بن أبي حاتم الورَّاق حين أملى عليه يومًا حديثًا كثيرًا، فخافَ مَلاله، فقال له:«طِب نفسًا، فإنَّ أهل الملاهي في مَلاهيهم، وأهلَ الصِّناعات في صناعاتهم، والتُّجار في تجاراتهم، وأنتَ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه!»(١).
فأرجو أنِّي قد سلكتُ في هذا البحث من مسَالكَ الجَدليِّينَ فيما يُلْزِمُ الخصمَ على أصولِه؛ فكَّكتُ فيه معارضاته للأحاديثِ وقسَّمتها في أفكارٍ مُنفردةٍ مُستقلَّة، تستبطنُ كلُّ فكرةٍ منها أصلًا عقديًّا أو فكريًّا تَستمدُّ منه قُوَّتَها، ثمَّ أجبتُ على كلٍّ منها على سبيلِ السَّبرِ والتَّقسيمِ، لم أكد أدعُ شُبهةً تُثار على الحديثِ أُراها مُؤثِّرةً، إلَّا أوردتها ومعها ما يَكشِفُها.
وكأنِّي بهذه الطَّريقةِ أعرِضُ من خلالها على القارئِ خارطةً ذهنيَّةً لتفريعاتِ المُعارضةِ، وطُرقِ الجوابِ عليها، حتَّى تكون الصُّورة في ذهنِه واضحةً مُتكامِلةً، فيسهُل عليه الاستيعابُ لأصولِ الشُّبهةِ وطَرائقِ كَشْفِها.