للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثلما وَجَد هؤلاء المُفكِّرون في مَبادئ المعتزلة ما يتَناغم مع دعوتهم التحديثيَّة، فإنَّ موقف المعتزلة مِن الأدلَّة النَّقليَّة عمومًا، والحديث النَّبوي بصفةٍ أخص، كان ممَّا يُلائم أفكارَهم» (١).

ومن أخطر ما نالته أنفاسُ الاعتزالِ في هذا التَّيار الحديث مصادرُ التَّلقي الشَّرعي نفسِها، حيث أقرُّوا بظنيَّةِ الآحادِ مطلقًا ومنعِ الاحتجاجِ بها في العقائدِ (٢)، بل غَلا بعضهم فسَلبَ الحُجيَّة منها في الأحكام، واقتصَرَ آخرونَ على المنعِ في المسائلِ الفرعيَّةِ الكُبرى كالحدودِ (٣).

يُلخِّص لنا (محمَّد حسين الذَّهبي) جملةً مِن هذه المآخذاتِ المنهجيَّة على المدرسةِ العقليَّة الحديثة، فيقول:

«إنَّها بسببِ هذه الحُريَّة العقليَّة الواسعةِ جارَت المعتزلةَ في بعض تعاليمِها وعقائدِها، وحَمَّلت بعضَ ألفاظِ القرآن مِن المعاني ما لم يكُن مَعهودًا عند العَرَب في زمنِ نزولِ القرآن، وطَعَنت في بعضِ الأحاديث: تارةً بالضَّعفِ، وتارةً بالوضعِ، مع أنَّها أحاديثُ صحيحةٌ، رواها البخاريُّ ومسلم، وهما أصَحُّ الكتبِ بعد كتاب الله تعالى بإجماعِ أهل العلم، كما أنَّها لم تَأخذ بأحاديثِ الآحادِ الصَّحيحةِ الثَّابتةِ في كلِّ ما هو مِن قبيل العقائد، أو مِن قَبيل السَّمعيات، مع أن أحاديث الآحاد في هذا الباب كثيرةٌ لا يُستهان بها» (٤).

ولعلَّ ما يوضِّح هذا التَّأثُّر والتَّشابه بين نَهجِ المدرسةِ الإصلاحيَّة العقلانيَّة الحديثة وبين نهجِ أربابِ الاعتزال: ما نسمعه بين الفَينة والأخرى مِن إشادةِ كثيرٍ مِن المعاصرين بالمُعتزلةِ ومُصنَّفاتهم، حتَّى اعتبر بعضُهم سقوطَهم التَّاريخيَّ في


(١) «الحديث النَّبوي ومكانته في الفكر الإسلامي المعاصر» (ص/٣٣٤)
(٢) وإن استثنى بعضهم ما أسماه فروعَ العقيدة بشرط الإمكان العقليِّ، انظر «المرجعية العليا في الإسلام للكتاب والسنة» لـ د. القرضاوي (ص/١١١ - ١١٢).
(٣) انظر أمثلة ذلك في «موقف الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر من النص الشرعي» لسعد العتيبي (ص/٢١٦).
(٤) «التفسير والمفسرون» لـ د. الذهبي (٢/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>