للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحيٌ إلهيٌّ، وجزءٌ لا يتجزَّأ من الإسلام .. ومِن جِهة أخرى: يهدفُ لبيانِ عدمِ عِصمة كلِّ لفظةٍ في الصَّحيحين» (١).

والنَّاظر في تسويدِه ذاك يجده منكبًّا في مُجملِه على دراسةِ الأمرِ الثَّاني دون الأوَّلِ، ردَّةَ فعلٍ منه لِما رآه مِن تشكيكِ بعضِ المُثقَّفين في الإسلامِ بسببِ هذه المَرويَّاتِ المُنكرَة المَنسوبةِ إلى الشَّارع الحكيم، عَبَّر عن ذلك بقولِه: «إنَّ أشخاصًا مِن المُثقَّفين بالثَّقافة العصريَّة، عندما يَرَون بعضَ الأحاديثِ في «الصَّحيحين» وغيرهما لا تنسجمُ مع مُعطياتِ العلمِ الحديثِ .. يرفضون الحديث برُمَّته، بل يجعلُ بعضهم ذلك مُستندًا لإنكارِ الدِّين، أو صلاحية الشَّرع الإسلاميِّ لهذا العصر مِن الأساس!

ورُبَّما ساعَد في أخذِهم هذا الموقفَ، ما سمعوه مِن علماءِ الدِّين -ولم يعقلوا المعنى الدَّقيق لكلامِهم- مِن أنَّ كلَّ ما في «الصَّحيحين» صحيحٌ! مع أنَّ المَقصودَ بالصِّحة: الظَّنُّ بالصِّحة حسب ظاهر السَّند، وهذا للغالبيَّة العُظمى لما فيهما، لا الاستغراق الكُلِّي بالمعنى الحرفيِّ للكلمة» (٢).

فـ (الكرديُّ) كغيره كثير يَرى آحادَ «الصَّحيحين» ظنِّية الصُّدور مُطلقًا، لا يُحتجُّ بمثلها في عقيدةٍ ولا أصلٍ عِباديٍّ (٣)، فلا حَرَج إذن في الطَّعنِ في ما يَراه مُختلَّ المتنِ مِمَّا نالته يَدُ الإهمالِ مِن قِبَل الشَّيخين، مُعتذرًا لهما بتَبصُّرِ الصَّنعةِ الإسناديَّةِ، والانشغالِ بتَحَمُّلِ المَسموعات، دون باعٍ في العَقليَّاتِ يُمكِّنهم مِن تَبيُّن المَقبولِ مِنها والمَردود.

وعلى خلاف موقفه السَّلبيِّ هذا من منهج الشَّيخين في النَّقد الحديثيِّ، فقد كان (الكرديُّ) شديدَ الحَفاوةِ بجُهدِ المعتزلة في نقدِ المتونِ بأصولِهم العقليَّةٍ الَّتي


(١) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/١٧).
(٢) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/١٥ - ١٦).
(٣) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>