وإنَّ من المُتقرَّر عقلًا وشرعًا كون «الحُكم على الشيءِّ فرعًا عن تَصوُّرِه»(١)، ومِن أشنعِ ما ارتَكَس فيه اللَّامزون بنقل «الصَّحيحين»: تَصوُّرهم الخاطئ لطُرقِ التَّصنيفِ والرِّواية عند المُتقدِّمين.
فلأجلِ بيان هذا الغلط الخطير، أتيتُ بهذا المَبحث مُتصِّلًا بالصَّنعةِ التَّوثيقيَّةِ لمُدوَّناتِ الحديثِ، والَّذي يَعنيني منها خصوصًا بيانُ التَّصوُّر الخاطئُ للطَّاعنِين في طريقةِ تصنيفِ «الصَّحيحين»؛ فإنَّك لو سألتَ عامَّتهم عن القواعدِ العلميَّة والمعايير التَّوثيقيَّة الَّتي اتَّبعها البخاريّ -مثلًا- في انتقاءِ أحاديثِ كتابِه وتَرتيبها وتَبويبها، ثمَّ تبيِيضه وروايته، فإنَّك لن تجد منهم جوابًا ينمُّ عن إدراكٍ كامل صحيح للمسألة، ومِن ثمَّ يجيء نقدهم مَغلوطًا تَبعًا لذلك التَّصوُّر المختلِّ، يصلُ في بعضِ الأحيانِ إلى سَفسَطَةٍ عجيبةٍ.