للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبلُغَ بـ (رشيد) الغَمز في بديهةِ البخاريِّ ومسلمٍ، إلى أن يَتعقَّبَ اتِّفاقَهما على تصحيحِ حديثٍ أودَعاه كِتابَيهما بقولِه: « .. أمَّا علماء الرَّوايات، فليسوا ممَّن يُطلب منهم معرفة هذه الحقائق في نقد المتون» (١)!

حتَّى صارَ (رشيد رِضَا) في نَظرِ المناوئين للمُحدِّثين «بحقٍّ مِن أوائلِ المفكِّرين في بدايةِ هذا القرن الَّذين نَبَّهوا إلى ما اعْتَرَى منهجَ المحدِّثين القُدامَى مِن خَلَل، حين رَكَّزوا نقدَهم على السَّنَدِ دون المتنِ» (٢).

ولأجل ما كان لـ (رشيدٍ) مِن مكانةٍ في قلوبِ أهلِ الدَّعوة وأرباب القَلَم بمختلفِ مَشاربهم الفكريَّة، فضلًا عمَّا كان لمجلَّتِه «المنار» مِن صيتٍ ذائعٍ؛ فقد تمكَّنت مَقالاته النَّاقمة على منهجِ المُحدِّثين مِن تبوُّئِ مساحةٍ مهمَّةٍ مِن تفكير العقل المُسلم.

وهذه نتيجة طبيعيَّة؛ فإنَّ الرَّأيَ المَدخول -كما يقول الجُرجانيُّ- «إذا كان صُدورُه عن قومٍ لهم نباهةٌ، وصِيتٌ، وعلوُّ منزلةٍ في أنواعٍ مِن العلومِ غيرِ العلمِ الَّذي قالوا ذلك القول فيه، ثمَّ وَقَع في الألسُن، فتداوَلته، ونَشَرته، وفَشا وظَهر، وكثُر النَّاقلون له، والمُشِيدون بذِكرِه: صارَ تَرْكُ النَّظَر فيه سُنَّة، والتَّقليد دينًا؛ فكَم مِن خطأٍ ظاهرٍ، ورأيٍ فاسدٍ، حَظِي بهذا السَّبَب عند النَّاس، حتَّى بوَّأوه أخَصِّ مَوضعٍ مِن قلوبِهم، ومَنحوه المحبَّةَ الصَّادقة مِن نفوسِهم، وعَطفوا عليه عطفَ الأمِّ على واحدِها، وكم مِن داءٍ دَوِيٍّ قد استحكَم بهذه العِلَّة، حتَّى أعْيَا علاجه» (٣).


(١) «مجلة المنار» (٣٣/ ٣٣).
(٢) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي المعاصر» لمحمد حمزة (ص/٢١١).
(٣) «دلائل الإعجاز» (ص/٤٦٤) بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>