للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو: بأن يُهمل سياقَ الحديثِ ومُراعاةَ سَببِ ورودِه.

أو: بأن يُفرِطَ في الأخذِ بالظَّاهر، والَّذي يُفضي إلى الفصل بين النُّصوص الجزئيَّة، والمَقاصد الكليَّة للأحاديث، مِمَّا يُفسد تناسق الشَّريعةِ وترابطها (١).

والفاقرة الثَّانية: استبطان بِدعةٍ تكون هي الأصل، والأحاديث تَبعًا لها؛ فيحصُل من ذلك التَّجاسُر عليها بالتَّأويل المُتعسِّف، أو التَّأبِّي عن قَبولِها.

وهذا مَزْلَقٌ خَفِيٌّ مِن مَزالِق الفهمِ عن الله ورَسولِه، تَنَبَّه إليه ابنُ القَيِّم بشُفوفِ نَظَرٍ آتاه الله إيَّاه في النَّفسِ الإنسانيَّة، قد صاغه في جميل قولِه: «إذا امتلَأ القلبُ بشيءٍ، وارتفَعت المُباينة الشَّديدة بين الظَّاهر والباطنِ: أدَّت الأُذُن إلى القلبِ مِن المَسموع ما يُناسِبُه، وإنْ لم يَدُلَّ عليه ذلك المَسموع، ولا قَصَده المُتكلِّم! ولا يختصُّ ذلك بالكلامِ الدَّالِ على معنى، بل قد يَقَع في الأصواتِ المُجرَّدة» (٢)

فكان على هذا أخطر ما يقترِفُه مَن تَلَبَّس بشيءٍ مِن هذه المَوانع، أن يسارع المسارعة إلى إنكارِ نسبةِ النَّصِ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم لوقوفه على تأويلٍ ضَعيفٍ مُتعسِّف له، يحسِبُه الظَّاهرَ مِن الحديثِ! فيَستدِلُّ على بُطلانِه لأجل ذلك الظَّاهر المُتوهَّم؛ فإنَّه لا أقلَّ مِن أن يُقدِّرَ إمكانَ أن يكون للحديثِ معنى صحيحٌ لم يُدركه، فإنَّ مُنتَهى الأمرِ أنَّه طَلَب فلَمْ يَجِدْ، وعَدمُ الوِجدان، لا يدلُّ على عدمِ الوجود.

هذا إن تَجشَّم الطَّلبَ أصلًا! وما أقلَّ هذا الصِّنف من النَّاس في زَمانِنا.

يقول ابن الوزيرِ اليَمانيُّ (ت ٨٤٠ هـ) في تقعيدٍ بَهيٍّ لهذا الباب: «إذا وُجِد بعضُ شُرَّاحِ الحديثِ .. قد يُؤَوِّل الحديثَ بتأويلٍ فيه تَعسُّفٌ، لم يُقطَع برَدِّ


(١) انظر هذه الأسباب مُفصَّلة في بحث لـ د. توفيق الغلبزوري بعنوان «أسباب الانحراف المعاصر في فهم السنة النبوية ومظاهره»، المُقدَّم لندوة «السُّنة النبوية بين ضوابط الفهم السديد ومُتطلبات التجديد» بكليَّة الدِّراسات الإسلاميَّة والعربيَّة بدُبي سنة ١٤٣٠ هـ ٢٠٠٩ م، (٢/ ٢١١) من النشرة المَطبوعة للنَّدوة.
(٢) «مَدارج السَّالكين» (٢/ ٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>