للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدَا لكِ»: إنَّه «مِن الشَّاذِ المُطَّرح»؛ هذا مع أنَّه يُصحِّح ظاهر إسنادِه! وذلك لمخالفةِ مَتنِه عنده للأحاديثِ الصَّحيحةِ الكثيرةِ في الإحْدادِ (١).

فإذا تَقرَّر هذا؛ فإنَّ مُعارضةَ الحديثِ بما هو أوسعُ دائرةً مِن جنسِه في الباب الواحد هو مِن أُسسِ عَملِ النُّقاد في حكمِهم على الحديث، فإنَّهم إذا قَدِروا على تَعليلِ خَبرٍ لمجرَّدِ مُعارضتِه لِما هو أرجحُ منه وأشهر، مع كونِ هذا كلِّه في نِطاقِ إخباريٍّ واحد؛ فما الَّذي يَمنعُهم مِن أن يُعِلُّوا خَبَرًا يرونه مُعارضًا لقَطْعيٍّ خارجَ هذا النِّطاق، أكانَ قاطعًا قُرآنيًّا، أو تاريخيًّا، أو إجْماعيًّا .. إلخ؟!

والأصلُ في هذا ما قعَّده الشَّافعي (ت ٢٠٤ هـ)، في اشتراطِ خُلُوَّ المتنِ مِن قادحٍ أو مخالفةِ الأقوى ليصحَّ الحديث، في قولِه: «لا يُستدلُّ على أكثرِ صدقِ الحديثِ وكذبِه إلَّا بصدقِ المُخبِر وكذبِه، إلَّا في الخاصِّ القليل مِن الحديث، وذلك أن يُستَدَلَّ على الصِّدقِ والكذبِ فيه:

بأن يُحدِّثَ المُحدِّث ما لا يجوز أن يكون مثلُه.

أو ما يخالفه ما هو أثبتُ وأكثرُ دلالاتٍ بالصِّدقِ منه» (٢).

وعلى مِنوالِ هذا التَّقعيدِ جَرت صياغةُ ابن أبي حاتم الرَّازي (ت ٣٢٧ هـ) لقاعدتِه الَّتي أسَّسَ عليها المعيار العلميِّ لتعليل الأخبار، حيث قال: «يُقاس صحَّة الحديث بعدالةِ ناقِليه، وأن يكون كلامًا يصلُح أن يكون مِن كلام النُّبوة» (٣).

فقولُه: «يصلُح أن يكون مِن كلام النُّبوة» جمع به الأصلين الَّذَين أشارَ إليهما الشَّافعي في كلامِه، فإنَّ أيَّ حديثٍ يَستحيلُ أن يكون مثلُه، أو يخالفُه ما هو أثبتُ وأكثر دلالاتٍ بالصِّدق منه: لا يصلُح أن يكون مِن كلامِ النُّبوة.


(١) انظر أمثلةً لهذا النَّوع مِن الإعلال في شرح ابن رجب لـ «علل الترمذي» (٢/ ٦٢٤ - ٦٢٥).
(٢) «الرسالة» (ص/٣٩٩).
(٣) «الجرح والتعديل» (١/ ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>