للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله أيضًا عند البخاريِّ:

قوله (١): قال لي عبد الله بن محمَّد: حدَّثنا هشام قال: حدَّثنا معمر، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أدري أَعُزيرٌ نبيًّا كان أم لا، وتُبَّع لَعينًا كان أم لا، والحدود كفَّارات لأهلها أم لا» (٢).

فهذا إسناد مرسل؛ قد ساق البخاريُّ عقبه طريقًا آخر عن عبد الرَّزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال: «والأوَّل أصحُّ، ولا يثبت هذا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: الحدود كفَّارة» (٣).

فقد رجَّح البخاريُّ فيهما الإرسالَ على الوَصل، كون المتن المُستنكَر أوْلى بذلك الإسنادِ المنقطع من المَوصول.

وأمَّا مثاله عند مسلم:

فما ذكره عند تعليلِه روايةَ من قصر سند حديثَ جبريل عليه السلام على ابن عمر رضي الله عنه، فقال: «ذَكرنا روايةَ الكوفيِّين حديثَ ابن عمر رضي الله عنه في سؤال جبريل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام، وقد أوهموا جميعًا في إسناده! إذ انتهوا


(١) في «التَّاريخ الكبير» (١/ ١٥٢).
(٢) أخرجه من حديث أبي هريرة: الحاكم في «المستدرك» (٢/ ١٧، رقم: ٢١٧٤)، والبزار في «المسند» (١٥/ ١٧٦، رقم:٨٥٤١)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الأشربة والحدود فيها، باب: الحدود كفارات، رقم: ١٧٥٩٥).
(٣) وقد رجَّح غير واحد من الأئمة الوجه المرسل الذي رواه هشام بن يوسف الصَّنعاني عن معمر، على الوجه الموصول الذي رواه عبد الرزاق عن معمر من جهة تقديمهم لهشامٍ على عبد الرَّزاق، فهو من أقرانِه، لكنَّه أجلُّ منه وأتقن. انظر سير أعلام النبلاء (٩/ ٥٨٠).
وقد أبان البخاريُّ أنَّ من أسباب تعليله للحديث: كون حديث «الحدود كفارة» متقدم عن الحديث الأوَّل في نفي العلم بكونه كفارة، لأنَّه من حديث عبادة رضي الله عنه وقد كان في بيعة العقبة الأولى، وقد أسلم بعده أبو هريرة بسبع سنين عام خيبر، بيد أنَّ ابن حجر في «الفتح» (١/ ٦٦) خالف البخاريَّ ورجَّح صحَّة حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا .. » وأنَّ البيعة التي ورد فيها الحديث وقعت بعد فتح مكة عند نزول سورة الممتحنة، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>