للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أَسالَ مِدادَ المُنتقدين عليه -بحقٍّ وباطلٍ- في نُصرة ما يعتقد، مُنفلتَ العنان في الرَدِّ على مَن خالَفه في ذلك، ذَرَب اللِّسانِ -أحيانًا- بالإيلاغِ في كثيرٍ من أساطين العلماءِ من أهل الحديث ورجالاتِ الفقه، في سبيل الدِّفاع عن إمامه أبي حنيفة.

فلقد طالت نِبالُه البخاريَّ نفسَه! حتَّى لمَزَه في مُعتقَده أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ واعتقادٌ، وأنَّه به في سَبيلِ الانحيازِ إلى المعتزلةِ أو الخوارجِ! فكان مِمَّا قالَه في حَقِّه: «مِن الغَريب أنَّ بعضَ مَن يَعدُّونه من أمراء المؤمنين في الحديث! يتَبجَّح قائلًا: إنِّي لم أُخرِج في كتابي عَمَّن لا يَرى أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، يَزيد ويَنقُص، مع أنَّه أخرَجَ عن غُلاةِ الخوارجِ ونحوهِم في كتابه!» (١).

ولستُ أدري مِن أين أتَى الكوثريُّ بذاك اللَّفظِ ينسبه إلى البخاريِّ، فإنَّ المَشهورَ عنه قولُه: «كَتَبتُ عن ألفِ نَفرٍ مِن العلماءِ وزيادة، ولم أكتُب إلَّا عَمَّن قال: الإيمانُ قولٌ وعمَلٌ، ولم أكتب عَمَّن قال: الإيمان قولٌ» (٢).

والفرق بين العِبارَتين لائحٌ! فإنَّ الَّتي للكوثريِّ تَنفي أن يكونَ في كتابِ البخاريِّ روايةَ أحدٍ رُمِي بالإرجاء، بينما اللَّفظ الصَّحيح عن البخاريِّ، يدلُّ على عدمِ أخذِه هو عن شيخٍ مُرجئٍ كتابةً عنه، لا أنَّ أسانيدَ كتابِه خاليةٌ مِمَّن رُموا بالإرجاءِ بالمرَّة، ولو تَقدَّموا في الطَّبقة! ولا وَردَ في عبارتِه ذِكرٌ لـ «جامعِه الصَّحيح» أصلًا.

وعلى خلافِ ما تَقصَّدَ الكوثريُّ بنقلِ تلك العبارةِ مِن حَشرِ البخاريِّ في المَيَّالينَ إلى الخَوارِج، فقد استبطنَ تحامُله هذا تغافلًا عن منهجِ البخاريِّ في الرِّواية عن أصحابِ المَقالاتِ.


(١) «تأنيب الخطيب» (ص/٩٠ - ٩١).
(٢) كذا رواه عنه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (٥/ ٩٥٩ برقم: ١٥٩٧)، وانظر «تغليق التعليق» لابن حجر (٥/ ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>