فهذا النَّوع مِن الواهياتِ لا وجود له في «الصِّحيحين» -ولله الحمد- فنُمثِّل بشيءٍ منهما.
القسم الثَّاني: أن يكون الأصلُ المُعارَضُ به غير ثابت.
وذلك بأن يُأتى إلى حديثٍ صحيحٍ، فيُستَنكرَ متنُه، لأنَّه في زَعْمِ المُعترضِ يُخالفُ ما يعتقده حقيقةً، سواءٌ كانت تاريخيَّة أو عِلميَّة تجريبيَّةً أو نحو ذلك؛ وعند عَرضِ ما ادَّعاه تحت عَدَسة التَّحقيقِ، نجده مُجرَّد ظنونٍ لم تثبُت أصلًا، ولم ترقَ إلى القطعيَّات.
وأضربُ مِثالًا لهذا القِسم يَكثُر الزَّلل فيه في زمانِنا المُتأخِّر على وجه الخصوصِ، فأقول:
الفرع الأوَّل: مثال هذا القسم: الأحاديث المُدَّعاة مُخالفتها لمُقرَّرات العلومِ الحديثةِ.
المُتَقرَّر مِن منهجِ أهلِ السُّنةِ في هذا البابِ مِن التَّعارضِ بين الأحاديثِ الصَّحيحةِ ومُكتشفاتِ البَشَر في شتَّى العلومِ العصريَّة: أنَّ الكَلِمةَ العُلْيا فيه للنُّصوصِ الشَّرعيَّة الَّتي تَلقَّتها العلماءُ بالقبول، من غير إنكارٍ للعلمِ الحديثِ بوَسائِله المُبتَكرة النَّافعة، بل واستخدامِ نتائجِه القَطعيَّةِ في تعزيزِ مَكانةِ النُّصوصِ نفسِها.
والفتنةُ الكبرى الواقع فيها كثيرٌ مِن المُتشرِّعةِ في هذا الباب: سَعيُهم إلى التَّوفيق بين الأخبار النَّبويَّة وبين العلوم الحديثة في النَّتائجِ، لكنْ بمبدأِ سِيادةِ الثَّانية على الأولى! وقد يُعاد تفسيرُ الآياتِ القرآنيَّة، وتأويلُ الأحاديثِ بما يُوافِق تلك النَّتائج العِلميَّة، ولو ضُرِب بقواعد التَّفسير عرضَ الحائط، وإلَّا فما أسهل إبطال الأحاديثِ إذا خالَفت عندهم تلك المُكتشفات، ولو رَوَاها الثِّقات المُتثبِّتون.