للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تقريرِ ركنيَّة هذا المَعْلم في النَّظر إلى نصوص الوحي، يقول الشَّاطبيُّ:

«لا تَضَادَّ بين آياتِ القرآن، ولا بين الأخبار النَّبويَّة، ولا بين أحدِهما مع الآخر، بل الجميعُ جارٍ على مَهيعٍ واحدٍ، ومُنتظم إلى معنى واحدٍ، فإذا أدَّاه بادئُ الرَّأي إلى ظاهرِ اختلافٍ، فواجبٌ عليه أن يعتقد انتفاءَ الاختلافِ، لأنَّ الله قد شهِدَ له أن لا اختلافَ فيه، فليَقِفْ وقوفَ المُضطَرِّ السَّائلِ عن وجهِ الجمع، أو المُسلِّمِ مِن غير اعتراضٍ» (١).

المَعلم الثَّاني: الاستِشكالُ لا يَستلزِمُ البُطلان.

ترتيب التَّسارع في الإبطالِ للدَّلائل النَّقليَّة على انقداحِ الاستشكال من أوسع أبواب الباطل الَّتي اقتحمها المُتذمِّرون من السُّنَن، فقد تَبيَّن في ما تقدَّمَ كون مُجرَّد استشكالِ الحديثِ لا يعني بُطلانه بالضَّرورة، تمامًا كما يحصُل أنَّ يستشكل كثير من العقلاء آياتٍ مِن القرآن الكريم، من غير أن يدعوهم ذلك لأنْ يُبطِلوها.

والحقُّ أنَّ الخَلَل في ظنِّ البُطلان، أكثر جدًّا مِن الخَلل في الأحاديثِ الَّتي تقبَّلتها الأئمَّة (٢)، والمرءُ كثيرًا ما يُؤتى من قِبل رأيه واجتهادِه، فكان اتِّهامُه لفهمِه الواحدِ أوْلى من اتِّهامِ الفهمِ الجَمعيِّ للأمَّة.

وفي نفي هذا التَّلازم بين استشكال النَّص وبُطلانه، يقول ابن تيميَّة (ت ٧٢٨ هـ):

«إنَّ الأحاديث النَّبويَّة مِن الصَّحاحِ، مَن ردَّ منها شيئًا، وفهم مِن ظاهرِه معنًى يعتقدُ أنَّه مخالفٌ للقرآن أو للعقل، فمِن نفسِه أُوتي؛ فإنَّ المُقرِّرين للنُّصوصِ هم أرفعُ الخلقِ وأعلاهم طبقةً، إذْ جَمَعوا المعرفةَ والفهم، فإنَّ الصِّديقَ رضي الله عنه كان أعلَمَهم بما قال النبَّي صلى الله عليه وسلم وأفهمَهم لمعانٍ زائدةٍ مِن الخطاب، لا تُستفاد بمُجرَّد اللُّغةِ والعِلم باللِّسان، بل هي مِن الفهمِ الَّذي يؤتيه الله عبدَه» (٣).


(١) «الاعتصام» للشاطبي (ص/٨٢٢).
(٢) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٩٣).
(٣) «جواب الاعتراضات المصرية على الفُتيا الحموية» (ص/٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>