للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جَمع (ابن قِرناسٍ) كِلتا الشُّبهتين السَّالفتين في جملةِ شبهاتٍ له يقول فيها:

«معنى قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}، تعني الامتثالَ لأوامر الله وأداء الصَّلاة .. لكنَّهم كَفروا بأنعُم الله ولم يطيعوا أمره، فهو معنى قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}، وليس المعنى أنَّ الله طلب منهم أن يدخلوا البابَ وهم في وضعِ السُّجود! ويرَدِّدون (١) كلمةَ (حِطَّة)، فدخلوا يزحفون على أسْتاهِهم وقالوا: (حِنطة، حبَّة في شعرة)! وكأنَّهم يتكلَّمون العَربيَّة!

لكنَّ الإسلامَ ابْتُلي بخيالاتِ بعضِ المفسِّرين والمحدِّثين، الَّتي ورِثناها عنهم، واعتبرناها دينًا لله .. » (٢).

وقد سَبق هؤلاءِ إلى الغَمزِ في هذا الحديثِ مَن كان أعلَم منهم بالشَّرع (محمَّد عبدُه)! حيث ارتمى على هذه الأخبارِ ضَربًا بتُهمةِ الإسرائيليَّة، يقول في هذا الحديث: « .. ولليهودِ في هذا المقامِ كلامٌ كثير، وتأويلاتٌ خُدِع بها المفسِّرون، ولا نُجيز حشوَها في تفسيرِ كلام تعالى» (٣).

وقد أقرَّه على هذا النُّكرانِ تلميذُه (رشيد رضا)، وتَبرَّعَ بالاستدلالِ له وتعزيزِه بجملةٍ مِمَّا لا يُحسِن الشَّيخُ الخوضَ فيه، فكان مِمَّا قال:

« .. ولا ثقة لنا بشيءٍ مِمَّا رُوي في هذا التَّبديل مِن ألفاظٍ عبرانيَّةٍ ولا عربيَّة، فكلُّه مِن الإسرائيليَّات الوضعيَّة، كما قاله الأستاذ الإمام هنالك، وإن خُرِّج بعضُه في الصَّحيح والسُّنن موقوفًا ومرفوعًا، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوعِ في «الصَّحيحين» وغيرهما.

ولم يُصرِّح أبو هريرة رضي الله عنه بسماعِ هذا مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أنَّه سمعه مِن كعبِ الأحبار، إذْ ثبتَ أنَّه رَوى عنه، وهذا مدرَك عدمِ اعتمادِ الأستاذِ على مثلِ


(١) كذا في أصل كتابه، والصواب نصبه بحذف النُّون، لدخول (أنْ) الناصبة على الفعل المعطوف عليه.
(٢) «الحديث والقرآن» لابن قرناس (ص/٣٣٥ - ٣٣٧).
(٣) «تفسير المنار» (١/ ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>