للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطعًا، وعليه المحققِّون الَّذين جزموا بأنَّ الملائكة لم تقاتل يومَ بدرٍ، تبعًا لما قبله من الآيات ..

فكفانا الله شرَّ هذه الرِّوايات الباطلة الَّتي شوَّهت التَّفسير وقَلَبت الحقائق، حتَّى إنَّها خالفت نصَّ القرآن نفسه، فالله تعالى يقول في إمداد الملائكة: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}، وهذه الرِّوايات تقول: بل جعلَها مقاتلةً! .. » (١).

المعارضة الثَّالثة: أنَّ في القولِ بقتالِ الملائكة في بدرٍ تنقيصًا مِن شأنِ أهلِ بَدر من الصَّحابة رضي الله عنهم، ونَفيًا لمزيَّتِهم عن باقي المسلمين، فأيُّ فائدةٍ مِن ابتلائِهم بقتالِ المشركين، إذا كانوا هم قد كُفوا ذلك مِن الملائكة؟!

وفي تقرير الشُّبهة، يقول (رشيد رضا):

« .. ما أدري أين يضع بعض العلماءِ عقولَهم عندما يغترُّون ببعض الظَّواهر وبعض الرِّوايات الغريبة الَّتي يردُّها العقل! ولا يثبتها ما له قيمة من النَّقل!

فإذا كان تأييدُ الله للمؤمنين بالتَّأييداتِ الروحانيَّة الَّتي تُضاعف القوَّة المعنويَّة، وتسهيله لهم الأسباب الحسيَّة، كإنزالِ المطر وما كان له مِن الفوائد، لم يكن كافيًا لنصرِه إيَّاهم على المشركين بقتلِ سبعين وأسرِ سبعين، حتَّى كان ألفٌ -وقيل آلاف- من الملائكة يقاتلونَهم معهم! فيفلقون منهم الهام، ويقطعون مِن أيديهم كلَّ بنان.

فأيُّ مزيَّة لأهل بدرٍ فُضِّلوا بها على سائر المؤمنين مِمَّن غزوا بعدهم، وأذلُّوا المشركين، وقَتلوا منهم الألوف؟!» (٢).

ثمَّ حاول تعليلَ هذه الرِّوايات وهي في «الصَّحيحين» بكونِ ابن جريرٍ لم يذكرها في «تفسيره» البتَّة، لأنَّ مثلها في رأيِه «لا يصدرُ عن عاقلٍ إلَّا وقد سُلِب


(١) «تفسير المنار» (٩/ ٥١٠ - ٥١١).
(٢) «تفسير المنار» (٩/ ٥١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>