وفي رواية عند البخاري:« .. ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام»(١).
فنلحظ أنَّ الصِّيغتين قد اتَّفقتا في لفظ ثلاث مِن تلك الغيوب: في علمِ السَّاعة، وعدم درايةِ الأنفسِ لكسبِها، ومكان موتِها.
وهذه الثَّلاثة غَيب مطلقٌ لا يعلمه إلَّا الله باتِّفاق، واختلفت الصِّيغتين في اثنتين الباقيتين: في إنزال المطر، وما في الأرحام.
فالصِّيغة الأولى: أشارت إلى أن اللَّفظ العامَّ في قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} هو مفتاح للغيبِ مِن غير تفصيل.
أمَّا الصِّيغة الثَّانية: فقد عَدَلت عن عمومِ المعنى إلى قصدِ التَّخصيص، وذلك أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد حَدَّد معنى هذا المُجملِ مِن ذاك العمومِ في الآيةِ بقوله:« .. ولا يَعلم ما تغيضُ الأرحام إلَّا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله .. ».
وإعمالًا للقواعد الأصوليَّة في مثل هذا المقام يكون الجمع بين النَّصين بحملِ العامِّ على الخاصِّ، أي بجعلِ (غَيض الأرحام) و (زمن الإمطارِ) هما الغيب الَّذي لا يعلمه إلَّا الله في الآية، فهما فقط مِفتاحا الغيبِ، لا مُطلقَ ما في الأرحام: مِن ذكورة، وأنوثة، وعلم بصفات الجنين، ولا مطلقَ إنزال الغيث الوارد في عموم الآية الكريمة؛ مع أنَّ في سورة الرَّعد إشارة إلى هذا المعنى المُخصَّص أيضًا، في قوله تعالى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}[الرعد: ٨].
فعِلمُ الله تعالى لمِا تحمِل كلُّ أنثى في هذه الآية، كعلمِ الله لما في الأرحام في آية لقمان، مِن حيث دلالة (ما) الموصولة في كِلتيهما على شمولِ علمِه سبحانه لعالمِ الغيبِ والشَّهادةِ في الحمل، هذا المعنى العام المجمَل فُصِّل في قوله بعدها:{وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}.
(١) أخرجه البخاري في (ك: الاستسقاء، باب: لا يدري متى يجيء المطر إلا الله وقال أبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس لا يعلمهن إلا الله»، رقم: ١٠٣٩).