للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان (محمَّد عبده) من فتح البابِ لأمثالِ هذا للوُلوغِ في هذا الحديث خاصَّةً، حيث قال: «المُحَقَّق عندنا أنَّه ليس للشَّيطانِ سلطانٌ على عبادِ الله المُخلَصين، وخيرُهم الأنبياء والمُرسَلون، وأمَّا ما وَرَد في حديثِ مريم وعيسى، مِن أنَّ الشَّيطان لم يمْسَسهما .. فهو مِن الأخبارِ الظَّنية، لأنَّه مِن رواية الآحاد، ولمَّا كان مَوضوعها عالم الغَيب، والإيمان بالغَيب مِن قسمِ العقائد، وهي لا يُؤخَذ فيها بالظَّن: كُنَّا غير مُكَلَّفين الإيمانَ بمَضمونِ تلك الأحاديث في عقائدِنا» (١).

وقد كان مِمَّا أورَده المخالفون مِن معارضاتٍ على هذا الحديث؛ قولهم:

المعارضة الأولى: أنَّ حِفظَ عيسى عليه السلام وأمِّه مِن نَخسةِ الشَّيطان دون سائر الأنبياء، فيه نوعُ تفضيلٍ لهما عليهم، ومنهم نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم!

وهذا ما يُفهم جَليًّا مِن تعليقِ (أبو ريَّة) آنفًا على الحديثِ (٢).

المعارضة الثَّانية: أنَّ الحديثَ مُناقضٌ لِما ثَبَت في الطِّب مِن أنَّ سَبب صُراخِ كلِّ مَولود حين ولادتِه هو: دخولُ الَهواء لأوَّلِ مرَّةٍ لرِئَتِه.

المعارضة الثَّالثة: أنَّ زوجةَ عمران (أمَّ مريم) ليست الوحيدة في الدُّنيا الَّتي أعاذت وليدَها وذرَّيته مِن الشَّيطان الرَّجيم؛ بل كلُّ مسلمٍ تقيٍّ يفعل ذلك!

وفي تقرير الشُّبهتين الأخيرتين، يقول (إسماعيل الكرديُّ):

«لقد ثَبَت في الطبِّ أنَّ سببَ صراخِ كلِّ مولود حين ولادته هو: دخول الهواء لأوَّل مرَّةٍ لرئتيه، بعد أن كان يَتلقَّى الأوكسجين مِن دَم أمِّه عبر الحبل السُّري، ولو لم يبكِ لاختنق.

ثمَّ؛ هل زوجةُ ابنِ عمران (أمُّ مريم) هي الوَحيدة في الدُّنيا الَّتي أعاذت وليدها وذريَّته مِن الشَّيطان الرَّجيم؟! أليسَ كلُّ مسلمٍ تَقِيٍّ يقول حين الجماع:


(١) «تفسير المنار» (٣/ ٢٤٠).
(٢) وبه شنَّع صاحب كتاب «صحيح البخاري نهاية أسطورة» (ص/١٥٧) على البخاري كون النَّبي صلى الله عليه وسلم لم ينجُ من هذه الطعنة الشيطانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>