للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الْبَحْرِ، ثُمَّ أرفَؤوا (١) إلى جَزِيرَةٍ في الْبَحْرِ حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا في أَقْرُب (٢) السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ (٣)

كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرُونَ ما قُبُلُه من دُبُرِهِ من كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟

فقالت: أنا الجسَّاسَةُ.

قالوا: وما الجسَّاسَةُ؟

قالت: أَيُّهَا الْقَوْمُ! انْطَلِقُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيرِ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ.

قال: لَمَّا سَمَّتْ لنا رَجُلًا؛ فَرِقْنَا منها أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً؛ قال: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ؛ فإذا فيه أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلى عُنُقِهِ ما بين رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ.

قُلْنَا: وَيْلَكَ! ما أنت؟!

قال: قد قَدَرْتُمْ على خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي: ما أَنْتُمْ؟

قالوا: نَحْنُ أُنَاسٌ من الْعَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حين اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بِنَا الموْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هذه، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لا يُدرَى ما قُبُلُهُ من دُبُرِهِ من كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فقالت: أنا الْجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت: اعْمِدُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ (٤)؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا منها، ولم نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً.


(١) أرفؤوا: يقال أَرْفَأْت السفينةَ: إذا قرَّبتها من الشطِّ، والموضع الذي تشد فيه المرفأ، انظر «النهاية في غريب الحديث» (٢/ ٢٤١).
(٢) أَقْرُب -بضم الراء-: سفن صغار تكون مع السفن الكبار كالجنائب لها، يتصرَّف فيها الركاب لقضاء حوائجهم، واحدها: قارَب، وجمعه: قوارب؛ وأمَّا أقرب فهو صحيح؛ ولكنه خلاف القياس، وقيل: أقرُب السفينة: أدانيها، وما قارَب الأرضَ منها. انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٨/ ٨١).
(٣) أهلب: أي كثيرة الشعر، ذَكر الصِّفَة لأنَّ الدَّابَّة تَقَعُ على الذَّكَر والأنْثَى، انظر «النهاية في غريب الحديث» (٥/ ٦٢٥) ..
(٤) الدَّير: خانُ النَّصارى، جمعه: أدْيارٌ، انظر «القاموس المحيط» (ص/٥٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>