للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال الراغب الأصبهاني في الذريعة: ومن علم الفراسة علم الرؤيا، وقد عظم الله أمرها في جميع الكتب المنزلة. والرؤيا هي فعل النفس الناطقة، ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوى في الإنسان فائدة والله يتعالى عن الباطل. وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام، وأحاديث النفس بالخواطر الردية، لكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج لا يقبل صورة. وضرب هو الأقل صحيح، وذلك قسمان: قسم لا يحتاج إلى تأويل، ولذلك يحتاج المعبر إلى مهارة يفرق بين الأضغاث وغيرها، وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية، ويفرق بين طبقات الناس، إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا، وفيهم من تصح رؤياه، ثم من صح له ذلك؛ منهم من يرشح أن يلقي إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة، ومنهم من لا يرشح له ذلك. ولهذا قال اليونانيون: يجب أن يشتغل المعبر بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون الطغام، وذلك لأن له حظا من النبوّة انظر بقيته فيه وانظر مقدمة العبر لإبن خالدون.

[الإمام في صلاة الفريضة]

«السلطان أحق بالإمامة في الصلاة، إلا أن يأذن لغيره في ذلك. قال ابن العربي في الأحكام: ولاية الصلاة أصل في نفسها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا جعل الصلاة إليه ولكن لما فسدت الولاة ولم يكن فيهم من ترضى حالته للإمامة، بقيت الولاية في يده بحكم الغلبة وقدّم للصلاة من ترضى حالته سياسة منهم للناس، وإبقاء على أنفسهم. فقد كان بنو أمية حين كانوا يصلون بأنفسهم يخرج أهل الفضل من الصلاة خلفهم، ويخرجون من الأبواب، فيأخذهم سياط الحرس فيصبرون عليه اهـ» .

إشتهر في كتب المتأخرين أن إتخاذ المحاريب في المساجد لوقوف الأيمة بدعة، وأفرد ذلك الحافظ السيوطي بمؤلف. وفي عون المعبود على سنن أبي داود: ما قاله القاري من أن المحاريب من المحدثات بعده عليه السلام فيه نظر؛ لأن وجود المحراب في زمنه عليه السلام يثبت من بعض الروايات، أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن وائل بن حجر قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض إلى المسجد فدخل المحراب، ثم رفع يديه للتكبير.

وقال ابن الهمام: لا يخفي أن إمتياز الإمام مقرر مطلوب شرعا، وثبتت المحاريب في المسجد من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ انظر العون.

فائدة: وفي فوائد الفكر لدى قصة الفتح، ذكروا أن العباس لما احتمل أبا سفيان معه إلى قبته أصبح وقد رأى الناس ثائرين إلى طهورهم، فقال يا أبا الفضل: ما للناس أأمروا فيّ بشيء؟ قال: لا، ولكن قاموا إلى الصلاة. فأمره فتوضأ فلما رأى تكبير الناس بتكبير النبي صلى الله عليه وسلم وركوعهم بركوعه قال: ما رأيت كاليوم؛ قوم جميعهم من هنا، وهاهنا، ولا فارس والروم ذات القرون بأطوع منهم له اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>