للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيبة السدوسي البصري، نزيل بغداد فقال فيه: صنف المسند ولم يكمله على منوال لم يصنف مثله، ولا رأى في العلل والكثرة شكله، فمسند، على ما قيل خمس مجلدات كبار لزمه على تخريجه عشرة آلاف دينار، وكان في بيته أربعون لحافا مرصدة لمبيت الوراقين الذين يبيّضون مسنده اهـ.

واصل ذلك في طبقات الحفاظ للذهبي، وزاد في حق المسند المذكور أنه: ما صنف مسند أحسن منه. وقيل: إن نسخة من مسند أبي هريرة منه شوهدت بمصر فكان مائتي جزء. قال: والذي ظهر له من المسند مسند العشرة، وابن مسعود وبعض الموالي، وأرخ وفاته سنة ٢٦٢ ثم قال الذهبي: كان وقع لي في مسنده جزء. اهـ فانظر لهذه الهمم السامية والماثر الهامية فرحم الله السلف وألهم الخلف.

[باب في كيفية تلقي الصحابة للعلم وأنه كان حلقا حلقا في المسجد النبوي]

أخرج أبو نعيم في آداب العالم والمتعلم، والديلمي عن أبي هريرة رفعه: إذا جلستم إلى العالم أو [المعلم] فادنوا، وليجلس بعضكم خلف بعض ولا تجلسوا متفرقين، كما يجلس أهل الجاهلية. ذكره الحافظ السيوطي في الجمع. وبوّب الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: باب الجلوس عند العالم ثم قال: عن قرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا جلس جلس إليه أصحابه حلقا حلقا. رواه البزار، وفيه سعيد بن سلام، وكذبه أحمد وعن يزيد الرقاشي قال: كان أنس مما يقول لنا إذا حدثنا هذا الحديث: إنه والله ما هو بالذي تصنع يعني أنت وأصحابك، يقعد أحدكم فتجتمعون حوله، فيخطب. إنما كانوا إذا صلوا الغداة قعدوا حلقا يقرؤون القرآن، ويتعلمون الفرائض والسنن، ويزيد الرقاشي ضعيف اهـ.

وقد بوّب البخاري «١» في الصحيح باب الحلق والجلوس في المسجد. أي جواز ذلك فيه لتعلم العلم، وقراءة القرآن، والذكر ونحو ذلك، وإن استلزم ذلك استدبار بعضهم القبلة، وأما التحلق فيه في أمور الدنيا فغير جائز، وهو المراد بحديث ابن مسعود: سيكون في آخر الزمام قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا، أمانيهم الدنيا فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجة. ذكره الحافظ العراقي في شرح الترمذي وقال: إسناده ضعيف، وعليه أيضا يحمل حديث مسلم «٢» عن جابر: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين؟ قال ابن حجر: إنما أنكر تحلقهم على ما لا فائدة فيه، ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنما كان لسماع العلم اهـ.

وقد عقد الإمام اليوسي فصلا في قانونه ذكر فيه أصول طرق نشر العلم، فقال: أما التعليم بصورة التدريس فأصله ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله في مجالسه مع أصحابه، من تبيين الأحكام


(١) انظر كتاب الصلاة باب ٨٤ ج ١/ ١٢١.
(٢) انظر كتاب الصلاة باب ٢٧ ج ١/ ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>