للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحطّاب عن التادلي أنه قال: ويجب أن لا يواصل من لم ترج مودته وائتلافه، وإن طلبك في المواصلة لأن فائدة المواصلة إنما هو تطييب القلوب، وأما من يظهر الود ويكتم البغض فيجب هجرانه اهـ وفي ألغاز ابن فرحون عن أبي بكر الوراق في جامع مختصره الكبير: أن الرجل إذا علم من إنسان أنه يستثقل سلامه فإنه يجوز له ترك السلام عليه، ولا يدخل في الهجرة المنهي عنها اهـ انظر كتاب الجامع من درة الغواص.

عندي في مجموعة رسالة للحافظ السيوطي سماها: الزجر في الهجر، نحو كراسة ملأها نقلا وإسنادا فيما يرجع للتهاجر في الله، وفي هجر أهل البدع في الأعمال، أو الأقوال أو الإعتقاد من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم، صدّرها بقصة كعب وأصحابه وقال فيها؛ جمع بعضهم أسماء من كان يزجر بالهجر من الصحابة فذكر منهم: عائشة وحفصة وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم. انظرها وقف على صدر جواهر العقدين في فضل الشرفين للسيد السمهودي ترعجبا لكن قال الشيخ جسوس لدى كلامه على هجران المبتدع: إذا كان لا يصل إلى عقوبته ولا يقدر على موعظته لكن يخاف منه إذا هجره وترك مخالطته كان له مخالطته.

[باب في معاملته صلى الله عليه وسلم للمستحق بالتعبيس ونحوه]

في الموطأ وغيرها عن هشام بن عروة عن أبيه موقوفا، ووصله الترمذي من طريق سعد بن يحيى الأموي، عن أبيه عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت «عبس وتولّى» في عبد الله بن أم مكتوم، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا محمد أرشدني وعنده رجل من عظاماء المشركين، في مسند أبي يعلى، أنه أبي بن خلف، وفي تفسير ابن جرير أنه كان يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول: لا والدماء لا أرى بما تقول بأسا فأنزلت: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) «١» .

قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره في سورة عبس: الظاهر أنه كان صلى الله عليه وسلم مأذونا له أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة، وكيف لا يكون ذلك، وهو إنما بعث ليؤدبهم ويعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان ذلك كذلك، كان التعبيس داخلا في تأديب أصحابه فكيف وقعت المعاتبة؟ أي في قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه


(١) انظر الموطأ، كتاب القرآن ص ٢٠٣ ج ١ رقم الحديث ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>