للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبوية رتبها على حروف المعجم، وقد طبعت في أربع مجلدات، وهي على كل حال قلّ من كثر ونقطة من بحر.

[باب في استنشاده صلى الله عليه وسلم شعر الهالكين في غير موضع]

خرّج مسلم «١» والبخاري في الأدب المفرد عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال:

استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت، فأنشدته مائة قافية أو بيت. وفي مسلم أيضا من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه؛ ردفت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل معك من شعر أمية؟ قلت: نعم. قال: هيه فأنشدته بيتا. قال: هيه، فأنشدته بيتا فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت، فقال: إن كاد ليسلم «٢» . قال القرطبي فيه دليل على حفظ الأشعار والإعنتاء بها إذا تضمنت حكما ومعاني مستحسنة شرعا وطبعا.

قلت: استنشاده عليه السلام شعر الكفار يؤخذ مما سبق، لأن أمية بن أبي الصلت هو الذي قال فيه المصطفى: آمن شعره وكفر قلبه.

[سماعه عليه السلام الشعر المتضمن التشبيب والغزل]

كتشبيه الريق بالراح، وغير ذلك من أنواع التشبيبات.

قصة إنشاد كعب بن زهير للنبي صلى الله عليه وسلم قصيدته: بانت سعاد. مشهورة فحقن صلى الله عليه وسلم دمه بها بعد الإهدار، وأجازه بعد بمائة من الإبل. ومنّ عليه ببردته، وقد اشترى تلك البردة منه معاوية بثلاثين ألف درهم وكانت عنده من أجلّ ملكه وأعظم، وكانت أمراء بني أمية يتبركون بلبسها في الأعياد والمواسم، ويعدّونها أفخر لباس حتى وصلت مع الدولة لبني العباس، وكان للأمة الإسلامية كبير إعتناء بهذه القصيدة اللامية البديعة؛ حفظا واستنشادا وشرحا ومعارضة.

قال الشيخ الأديب أبو جعفر البصير الألبيري الأندلسي لما ذكر الكعبية هذه: وهذه القصيدة لها الشرف الراسخ، والحكم الذي لم يوجد له ناسخ، أنشدها كعب في مسجده عليه السلام بحضرته، وحضرة أصحابه وتوسل بها، فوصل إلى العفو عن عقابة، فسدّ صلى الله عليه وسلم خلّته، وخلع عليه حلّته، وكفّ عنه كفّ من أراده، وأبلغه في نفسه وأهله مراده، وذلك بعد إهدار دمه، وما سبق من هذر كلمه محت حسناتها تلك الذنوب، وسترت محاسنها وجه تلك العيوب، ولولاها لمنع المدح والغزل، وقطع من أخذ الجوائز على الشعراء الأمل، فهي حجة الشعراء فيما سلكوه، وملاك أمرهم فيما ملكوه، حدثني بعض شيوخنا بالإسكندرية، أن بعض العلماء كان لا يفتتح مجلسه إلا بقصيدة كعب. فقيل له في ذلك.


(١) انظر أول كتاب الشعر في صحيح مسلم ص ١٧٦٧/ ٢.
(٢) أخرجه مسلم في أول كتاب الشعر ج ٢ ص ١٧٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>