كتاب الصفوة من طريق المحاملي أن جميلة أخبرته؛ أنها سألت جابر بن عبد الله عن الغناء. فقال: نكح بعض الأنصار بعض أهل عائشة، فذكر قصة تشبه التي قبلها وفيها قول المصطفى عليه السلام: فأدركيها بأرنب امرأة؛ كانت تغني بالمدينة وانظر ترجمة فريعة بنت معوذ بن عفراء. وقال الحافظ في كتاب النكاح، من الفتح على حديث النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها؛ ودعائهن بالبركة وفيه: فإن الأنصار يعجبهم اللهو.
وفي حديث ابن عباس وجابر: قوم فيهم غزل وفي حديث جابر عند المحاملي:
أدركيها بزينب. امرأة كانت تغني بالمدينة. ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه: دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان. وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة كما ذكره ابن أبي الدنيا في العيدين له بإسناد حسن. وإني لم أقف على اسم الآخرى، وقد جوّزت الآن أن تكون هي زينب هذه اهـ.
قلت: انظر هذا مع ما نقله الخزاعي هنا عن المشارق على قوله جاريتان تغنيان. قال وليستا بمغنيتين الغناء الأول من الإنشاد، والثاني من الصفة اللازمة أي ليستا ممن اتصف بهذا واتخذه صناعة إلا كما ينشد الجواري وغيرهن من الرجال في خلواتهن ويترنمن به من الأشعار في شؤونهن. ويحتمل أن يكون ليستا بمغنيتين هذا الغناء المصنوع العجمي الخارج عن إنشاد العرب اهـ.
قال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس: الظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن، لأن عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إليها الجواري يلعبن معها. ثم ذكر بعض طريق القصة وفيها ما كانوا يغنون به فقال: فبان بما ذكرناه ما كانوا يغنون به وليس مما يطرب، ولا كانت دفوفهن على ما يعرف اليوم اهـ منه ص ٢٤٠.
وقال النووي في شرح مسلم وقوله: وليستا بمغنيتين معناه ليس الغناء عادة لهما، ولا هما معروفتان به قال القاضي: وإنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب، والمفاخرة بالشجاعة والظهور، وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا انشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا اهـ ونحوه للقسطلاني في الإرشاد وغيره.
[ذكر ما كانوا يغنون به]
سبق أن جواري الأنصار كانوا يغنون بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، وبعاث بضم الباء وآخره مثلاثة والعين مهملة وإعجامها تصحيف، وهو اسم حصن وقع الحرب عنده بين الأوس والخزرج، قال الأستاذ المعمر أبو النجاة سالم بو حاجب المالكي أحد الأعلام من مشايخنا التونسيين في تعاليقه على الصحيح: لله درّ البخاري في إيراد خصوص اللعب المذكور يوم العيد، حيث يؤخذ منه أن اللهو الذي يرتكب لإظهار المسرة العيدية ينبغي أن