وفي مناهج الفاكهي: كان ابن عباس يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس: أحمضوا أي ميلوا إلى الفاكهة، وهاتوا من أشعاركم، فإن النفس تمل كما تمل الأبدان اهـ.
ونقل عياض في معنى الأمر بالإحماض، كما في هذه الآثار أي: إذا مللتم من الحديث والفقه، وعلم القرآن، فخذوا في الأشعار وأخبار العرب، كما أن الإبل إذا ملت ما حلا من النبت، رعت الحمض وما ملح.
[باب في حديث خرافة]
روينا في الشمائل للترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا فقالت امرأة منهن: كان الحديث حديث خرافة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أتدرون ما خرافة؟ كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية، فمكث دهرا فيهم ثم ردوه إلى الأنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة.
قال ابن المعافي: عوام الناس يرون أن القائل هذا خرافة، إنما معناه أنه حديث لا حقيقة له، وإنما هو مما يجري في السمر، وينتظم في الأعاجيب وطرف الأخبار، وأنه لا أصل له، وأضيف فيه الجنس إلى بعضه كثوب خز، واشتقاقه على هذا من أخرف الثمرة إذا اجتناها، وهي خرفة، ولذا سمى الفصل خريفا لاختراف الفواكه فيه، فكأن هذه الأحاديث بمنزلة ما يتفكّه به من الثمار للتلهي به، وأرى أن قولهم: خرف إذا ثغر عقله من هذا، لأنه يتكلم بما يضحك ويتعجب منه، ومن هاهنا قيل: فكهت كذا أي تعجبت منه، وقيل للمزاح: فكاهة لما فيه من مسرة أهله، والاستمتاع به وقالوا: الغيبة فاكهة القراء، قال الزمخشري في ربيع الأبرار: سمعت العرب يشددون الراء من خرافة، ويسمون الأباطيل الخراريف اهـ.
باب في حديث أم زرع «١»
في الشمائل باب: ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر. عن عائشة قالت:
جلست إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، اني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
قالت الثالثة: زوجي العشنّق، أن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سئامة.
(١) حديث أم زرع ورد في الصحيحين أيضا انظر كتاب النكاح في البخاري باب ٨٢ ص ١٤٦/ ٦ وفضائل الصحابة في مسلم باب ١٤ الحديث ٩٢ ص ١٨٩٦/ ٢.