للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم، وذلك لأنه لما أحسن السؤال أعان المجيب على إجابته. فللسائل جهة التصور وحده، وللعالم المجيب جهة التصديق، وحده. وإن شئت قلت: السائل صوّر والعالم حكم. وإن شئت قلت: السائل هيأ المحل للحكم، والعالم أنزله في ذلك المحل، هذا الذي فهمناه من هذا الحديث، ومن ابتلي بالفتوى علم قدر حسن السؤال، وأنه كما قال عليه السلام؛ لا سيما إن كان الطالب نجيبا غاية، فإنه في سؤاله يشير للأحكام إشارة إجمالية ينبه المجيب لما لم يخطر بباله اهـ وهو حسن.

[باب في ذكر من كان يحال عليه الأمور الحسابية في زمن الخلفاء الراشدين]

عقد الإمام أبو يوسف السيتاني في شرح التلمسانية، تنبيها ذكر فيه أن مما يحتاج إليه في فمن المواريث علم الحساب قال: وبحسب قوته في الحساب يكون اقتداره على إخراج الحظوظ [السهام] ، فإن كان فقيها لا حساب له لم يقدر على عملها، وغاية ما يتأتى له من الفرائض البسيطة ما يتأتى للعامي بعقله، ثم قال: وقد حكي عن [ابن] عمر: أنه سئل عن فريضة فقال: سلوا عنها سعيد ابن جبير، فإنه يعلم عنها مثل ما أعلم: ولكنه أحسب مني اهـ فأفاد أولا أن عمر كان حيسوبيا، ولكن أحال على سعيد لأن السلف كانوا إذا سئل أحدهم عن مسألة أحال فيها على غيره، وربما دارت بين جماعة يحيل فيها كل واحد على صاحبه، حتى ربما رجعت إلى المسؤول عنها أولا:

وفي شرح الإمام ابن قنفذ القسمطيني على منظومة ابن أبي الرجال في الفلك: اعترض على الإمام فخر الدين حيث قال: الصحابة لم يكونوا متبحرين في دقائق علم الحساب والهندسة، قال شهاب الدين: وهو خلاف ما هو معلوم لأهل الإطلاع على أحوال الصحابة، وقد قال الشعبي: ما رأيت أحسن من علي بن أبي طالب. قال غيره: وكان يخرج وقائع صفين من قوله تعالى: حم عسق إلى غير ذلك من أحوالهم المعروفة في دقائق العلوم اهـ.

وفي الفروق للقرافي: ومن نوادر المسائل الفقهية التي يدخل فيها الحساب، المسألة المحكية عن علي ابن أبي طالب، وذلك أن رجلين كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلسا يأكلان فجلس معهما ثالث يأكل معهما، ثم بعد الفراغ من الأكل دفع لهما الذي أكل معهما ثمانية دراهم وقال: اقتسما هذه الدراهم على قدر ما أكلت لكما، فقال صاحب الثلاثة: إنه أكل نصف أكله من أرغفتي ونصف أكله من أرغفتك فأعطني النصف أربعة دراهم، فقال له الآخر: إلا ثلاثة دراهم، فحلف صاحب الثلاثة لا يأخذ إلا ما حكم به الشرع. فترافعا إلى علي، فحكم لصاحب الثلاثة بدرهم واحد، ولصاحب الخمسة سبعة دراهم، فتنكر من ذلك صاحب الثلاثة فقال له علي: الأرغفة ثمانية وأنتم ثلاثة أكل كل واحد منكم ثلاثة أرغفة إلا ثلثا، بقي لك ثلث من أرغفتك أكله صاحب الدراهم، وأكل صاحبك من أرغفته ثلاثا، إلا ثلثا وهي خمسة، يبقي له رغيفان وثلث،

<<  <  ج: ص:  >  >>