قال الحافظ ابن القيم في الهدي النبوي إن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى وشراؤه أكثر، وآجر واستأجر وإيجاره أكثر، وضارب وشارك ووكّل وتوكّل وتوكيله أكثر وأهدى وأهدي له ووهب واستوهب واستدان واستعار وضمن عاما وخاصا ووقف وشفع فقبل تارة وردّ أخرى فلم يغضب ولا عتب، وحلف واستحلف ومضى في يمينه عدة، وكفّر أخرى ومازح وورّى ولم يقل إلا حقا وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الخ.
[(المقدمة الثانية)]
قال المواق في سنن المهتدين: الذي يتبين من الفقه أن الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم الزائد على فرض العين وعلى الطب كل ذلك أسباب شرعية فعلى هذا؛ فمن اشتغل بشيء من ذلك بلا نية فهو ظالم لنفسه وإن كان لا درك عليه، لكن فاته الأجر وإن قصد بذلك فرض الكفاية فهو سابق بالخيرات، وإن قصد بذلك الاستعفاف عن المسألة كان بذلك مقتصدا، وقال في موضع آخر: الذي هو من المقتصدين هو من جعله أي العلم سببا للدنيا المحتاج إليها من وجه حلال فمن قائل يقول: هو من خير الأسباب ومن قائل: طلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إليّ من طلبها بالعلم والدين اهـ بواسطة مختصر الرهوني لدى قول خليل في الاذان: وكره عليها.
وفي عمدة الطالب: طلب التكسب واجب فريضة، كما أن طلب العلم فريضة، ثم التكسب أنواع: كسب مفروض وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه ولعياله وقضائه دينه.
وكسب مستحب: وهو كسب الزيادة على أدنى الكفاية ليواسي به فقيرا أو يجازي به قريبا ثم قال: إنه أفضل حتى من التخلي لنفل العبادة، ثم قال: فافضل مكسوب التجارة، ثم الصناعة، ثم طلب العلم، ثم قال: فلو كان العلماء يتعلمون الحرف ما افتقروا حتى يطمعون في أموال الناس اهـ بواسطة هداية الضال المشتغل بالقيل والقال.
وفي شرح الزرقاني على الموطأ على حديث: إن أحدا لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب، فيه إن الطلب لا ينافي التوكل، وإن حديث الترمذي «١» والحاكم
(١) رواه في كتاب الزهد باب ٣٣ ص ٥٧٣/ ٤ وأوله: لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير الخ.