للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فائدة: بتأملك لهذه الترجمة تفهم أن سيدنا عمر رضي الله عنه أذن أخيرا للمسلمين بعد إتقانهم للعلوم البحرية في ركوب البحر والجلب فيه، فما نقل عنه من نهيه الناس عن ركوب البحر، واستعماله كان وقت جهل المسلمين بعلومه، ولما كملت علومه لدى العرب، اتخذ معاوية الأسطول، كما سبق في محله عن ابن خالدون والمقريزي.

وفي بدائع السلك للقاضي ابن الأزرق، أن ابن المناصف اعتذر عن عمر في منعه ركوب البحر، بأن العرب لم يكن لها إذ ذاك علم بأحواله، وبعد تبحرهم في علوم البحر حفر الخلجان والترع، واتخذها واستعملها كما في هذه الترجمة. وبعد هذا وجدت في ترجمة علقمة بن مجزز المدلجي، من الإصابة «١» ، نقلا عن الطبري؛ أن في سنة ٢٠ بعث عمر علقمة في جيش إلى الحبشة في البحر فأصيبوا فجعل عمر على نفسه أن لا يحمل في البحر أحدا فأخذ من هذا السياق سبب منعه كأنه حداد على الغرقي. وبعده أصدر حفيده ومحيي أثره أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز منشوره العام إلى الأمة، الذي هو كالقانون الأساسي لدولته، ومن جملة ما جاء فيه وأما البحر فإننا نرى سبيله سبيل البر. قال: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [الجاثية: ١٢] فاذن أن يتجر فيه من شاء، وأرى أن لا تحول بين أحد من الناس وبينه، فإن البحر والبر لله جميعا، سخرهما لعباده يبتغون فيهما من فضله، فكيف تحول بين عباد الله وبين مكاسبهم؟ اهـ من فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم.

[بائع الدباغ]

ترجم ابن عبد البر لسعد بن عائذ المؤذن مولى عمّار بن ياسر المعروف بسعد القرظ، وإنما قيل له سعد القرظ لأنه كان كلما اتجر في شيء وضع فيه، فاتجر في القرظ فربح فيه فلزم التجارة فيه.

قلت: القرظ شجر يدبغ به، وفي مختار الصحاح: القرظ ورق السّلم يدبغ به، وقيل: قشر البلوط. وفي مادة سلم منه أيضا. والسلم: شجر من الغضاة، الواحدة: سلمة قال القاضي في المشارق: إن سعدا سمي به لأنه كان يتجر فيه.

قلت: زاد في الإصابة أن البغوي روى عن القاسم بن الحسن بن محمد بن عمر بن حفص بن عمرو بن سعد القرظ عن آبائه أن سعدا اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة ذات يده، فأمره بالتجارة فخرج إلى السوق فاشترى شيئا من قرظ فباعه، فربح فيه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بلزوم ذلك، قال الشيخ الطيب بن كيران في شرح ألفية العراقي في السير: ففيه أن من رزق من باب فليلزمه اهـ.


(١) ج ٢ ص ٥٠٥/ ٥٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>