[باب في تحريهم في الفتوى ومدافعتهم لها وكراهتهم الكلام في المسألة قبل نزولها]
قال الحافظ أبو شامة في اختصار كتاب المؤمل، إثر ما سبق عنه: وكانوا يتدافعون الفتوى، ويود كل منهم لو كفاه إياها غيره، وكان جماعة منهم يكرهون الكلام في مسألة لم تقع، ويقولون للسائل عنها: أكان ذلك؟ فإن قال: لا قالوا: دعها حتى تقع، ثم يجتهد فيها. كل ذلك يفعلونه خوفا من الهجوم على ما لا علم لهم به، واشتغالا بما هو الأهم من العبادة والجهاد. فإذا وقعت واقعة لم يكن بد من النظر فيها.
وعن طاووس قال: قال عمر بن الخطاب، وهو على المنبر: أحرّج الله على كل امرىء مسلم سأل عن شيء لم يكن، فإنه قد قضى فيما هو كائن.
وعن عبد الرحمن بن شريح إن عمر بن الخطاب كان يقول: إياكم وهذه العضل، فإنها إذا نزلت بعث الله من يقيمها ويفسرها.
وعن معاذ بن جبل: يا أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله، فيذهب بكم هاهنا وهاهنا، وإن لم تعجلوا قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدّد.
وكان ابن عمر إذا سئل عن الفتوى يقول: اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمور الناس، ووضعها في عنقه. يشير إلى أن الفتوى والقضايا والأحكام من توابع الولاية والسلطنة، وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الأنصار، من أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ما منهم أحد يحدث بحديث إلا ودّ أنّ أخاه كفاه إياه، لا يستفتى عن شيء، إلا ودّ أن أخاه كفاه إياه، وفي رواية يسأل أحدهم المسألة فيردها إلى هذا حتى ترجع إلى الأول اهـ.
قلت: قول عبد الرحمن ابن أبي ليلى المذكور خرجه عنه من طرق وروايات ابن سعد في ترجمته من طبقاته، انظر ص ٧٥ ج ٦ وأخرج عبد الغني بن سعيد في أدب المحدث من طريق داود ابن أبي هند قلت للشعبي: كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم؟ قال على الخبير سقطت كان إذا سئل الرجل، قال لصاحبه: أفتهم فلا يزال حتى يرجع إلى الأول، وفي مسلم عن أبي المنهال أنه سأل زيد بن أرقم عن الصرف؟ فقال: سل البراء بن عازب، فسأل البراء فقال: سل زيدا.
[باب من كان يوسم بأعلم الصحبة وأذكاهم]
هكذا عقد الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء له، لما ترجم لأبي بكر فقال: فصل في علمه: وأنه أعلم الصحابة وأذكاهم؛ ثم نقل عن الذهبي في تهذيبه: استدل أصحابنا