وقال الشريف السجلماسي في شرحها: هم علماء أئمة يقتدى بهم، لأنهم ورثوا من علمه صلى الله عليه وسلم ما تميزوا به عن جميع من جاء بعدهم، وقد أنزل القرآن بلغتهم، وعلى أسباب عرفوها، وقصص كانوا فيها، فعرفوا مسطوره ومفهومه، ومنصوصه ومعقوله، قال الشيرازي في طبقات العلماء الفقهاء: ولهذا قال أبو عبيدة في كتاب المجاز لم ينقل أن أحدا من الصحابة رجع في معرفة شيء من القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتهم، يعرفون معناه، ويفهمون منظومه وفحواه، وأفعاله هي التي فعلها من العبادات، والمعاملات في السير والسياسات، وقد شاهدوا ذلك كله، وعرفوه وتكرر عليهم وتحروه، غير أن الذي اشتهر منهم بالفتوى والأحكام جماعة مخصوصة، وأما من لم يلازمه صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس بهذه المثابة، فقد جاء أن الحسن البصري كان يفتي الصحابة في زمنه، وهو من تصديق قوله عليه السلام: رب مبلّغ أوعى من سامع، ثم أتى بكلام ابن حجر السابق، وما أشار إليه من أنّ أكثرهم كذلك، نحوه قول ابن حجر. وهذا بالنسبة لأكثرهم، وغاية ما يقال في نحو الحسن البصري؛ أن السائل له من الصحابة قبل أن يصرف قوة اجتهاده وملكته بنفسه، فإذا أفتاه نظر فيه وبذل وسعه في النظر في الدليل، فيوافق إفتاء الحسن اجتهاده ثم استدل بقول الجوجري عقب ما سبق عنه، وكلهم في ذلك متكافئون، متساوون من حيث الإجتهاد، وعدم صدور شيء من الأحكام عن شهوة أو غرض اهـ.
وقال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية، على قول البوصيري: كلهم في أحكامه ذو اجتهاد أي صواب، وكلهم أكفاء؛ متكافئون في أصل الصحبة، والفضلية والعلم والإجتهاد، وإبراز الأحكام لله، وإنما يتفاوتون في الزيادة في ذلك، وحينئذ فلا ينافي ذلك قول ابن عمر:
أبو بكر أعلمنا، ولا سؤال عمر لعلي فيجيبه فيقول: لا قدس الله أمة لست فيهم يا أبا الحسن، ولا تقديم عمر لابن عباس علي أكابر مشيخة المهاجرين والأنصار، لأنه كان يجد عنده من العلم ما ليس عندهم، ولا سؤال معاوية لعلي بالإرسال إليه في المشكلات فيجيبه. ولقد قال له أحد أهل بيته: لم تجيب عدونا فقال: أما يكفينا أنه احتاج إلينا وسألنا اهـ.
وفي حاشية الباجوري، على شرح السلم، بعد أن ذكر عن ابن حجر مستدلا بأنه لم يعرف أن واحدا من الصحابة قلّد غيره في مسألة من المسائل، قال: لكن رجح بعض أن فيهم المقلدين والمجتهدين اهـ.
وفيه أنه لم يأت بما يناقض ما ذكره ابن حجر فتأمله، والله تعالى أعلم. ثم وجدت في فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، حين تكلم على قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي، هل يلحق بالسنة؟ وذكر منه القول بأن ذلك خاص بقول الشيخين، ما نصه: وينبغي أن يكون النزاع في الصحابة الذين أفنوا أعمارهم في الصحبة، وتخلقوا بأخلاقه الشريفة، كالخلفاء وأزواجه الطاهرات والعبادلة وأنس، وحذيفة ومن في طبقتهم، لا مسلمة الفتح، فإن أكثرهم لم تحصل لهم معرفة الأحكام الشرعية إلا تقليدا اهـ.