المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلوا فشرب منه.
[مباشرته عليه السلام لنحر الهدي بيده الكريمة في حجة الوداع واذنه لعلي في إتمام البقية]
في صحيح مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثا وستين ناقة بيده. أي باشرها بيده، وهي رواية الجماعة، قال القاضي عياض وعند ابن ماهان بدنة مكان بيده وكلاهما صواب. لكن نحره بيده هو المروي لقوله: ثم أعطى عليا فنحر ما بقي، وكانت عدتها مائة على ما جاء في الحديث. واختصت الثلاثة والستون به قيل: لأنه أتى بها معه من المدينة على ما ذكره الترمذي. قال القاضي: وذكر بعض أصحاب المعاني أن نحره عليه السلام تلك بيده، كان إشارة إلى منتهى عمره، فيكون قد نحر عن كل عام من عمره بدنة اهـ قاله في الفوائد.
وفي سنن النسائي أنه عليه السلام أشرك عليا في بدنه، ثم أخذ من كل بدنة بضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكل صلى الله عليه وسلم وعلي من لحمها، وشرب من مرقها.
قلت: وهذا يدل على كثرة من حضر الموقف، وعظيم العمارة بمكة، لأن من يأكل مائة ناقة كثير.
تنبيه: ألف في حجة الوداع، التي هي آخر حجاته عليه السلام الحافظ أبو محمد بن المنذر، والحافظ أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري، وأبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعيون، وأبو محمد بن حزم الظاهري، وبسط الكلام عليها الحافظ ابن القيم في الهدي النبوي، والحافظ ابن كثير الشافعي في كتابه: السيرة من تاريخه المسمى «البداية والنهاية» وهو أوسع من الذي قبله، وكل منهم ذكر أشياء لم يذكرها الآخر. وجمع ذلك كله وزاد عليه الحافظ الشامي في سيرته فتتبع وقائعها قدما بقدم؛ كأنه حضرها جزاه الله خيرا. وممن ساقها سياقا عجيبا مختصرا مفيدا الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي في المحاضرات، اعتمد فيها سياق ابن حزم فانظرها.