صفة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث هند وغيره: هذه الصفات لا تكون إلا لنبي، ولا يحتاج في الدلالة معها إلى غيرها وإن اعتدال الخلقة يدل على اعتدال الخلق، وإنها جبلة صدرت عن النور الساطع، والحق الذي ليس عنده باطل، وأنه لم يلق في طريقه ظلمة، ولا آفة، حتى خلص إلى الوجود على نهاية الكمال في الصنع، ثم استفسره خاتما كلامه بقوله: من نظر إلى كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما أبان من المعاني، وأوضح من المقاصد وأخبر عنه من الكائنات، ونظم من الترتيب، وقرر من التدريب، ودخول جميع المعاني من جميع الخلق أفعالا وأقوالا تحت ذلك النظام، علم قطعا أنه أمر يفوت طوق البشر، وأنه لا يحصيه فيهم إلا موجدهم، ولا يرأبه لهم إلا عالمهم وخالقهم، وهذه غاية في العصمة والحمد لله والمنة اهـ ملخصا.
[خاتمة]
وهنا عنّ لنا الإختتام وإيقاف القلم المسكين للإستراحة، موقف الإتمام معتذرا للسامع في الإقتصار على هذا القدر، من أحوال ذلك العصر النبوي الزاهر، بأن هذا ما أمكن الآن جمعه وعرضه، لا أن هذا غاية ما كان رائجا في ذلك الدور، من الصناعات والتجارات، والعمالات، والعلوم، لا، لا، فإن الواصل إلينا العلم به أدون مما كان موجودا بمراحل كثيرة، وبينهما فراغ متسع، لأن المقطوع به أنه ليس كل ما كان موجودا في ذلك الزمان في كل باب وصلنا العلم به التفصيلي التام الآن، ولا غيرنا ممن قبلنا وذلك لأسباب:
الأول أن أهل القرن الأول لم يكن لهم إعتناء تام كاف بالتدوين إكتفاء بالقرآن، وخشية أن يختلط به غيره، فلما أمن الناس ذلك في القرن الثاني، أقبلوا على التدوين في بعض الأبواب، على حسب الآكد بالنسبة لأدوار وأحوال ذلك الجيل لما رأوا إذا ذاك الحاجة ماسة إلى تدوينه بحيث لم يهتبلوا بتدوين ما كان من هذا النمط، ولو دونوا فيه لكان نهاية العبر وآية الإعجاز، بحيث ما تقف عليه الآن في هذه الأبواب إنما نقيمه ونستخرجه من خلال ذكر الغزوات والقضايا والواقعات، لا أنهم كانوا يقصدون الأخبار بهذا النوع بعينه، ولله در من قال: إن المدنية الإسلامية التي طبّقت شهرتها الآفاق، كادت تكون مع قرب عهدها، وبقاء آثارها، وآثار أهلها إلى الآن أشبه في الغموض بمدنية الأمم البائدة، التي ينقب الباحثون في تاريخها، عن دفائنها الأرضية، وآثارها العافية، ليقفوا على تاريخها الغابر اهـ.
وقال أيضا: أين هو لعمر أبيك التاريخ الذي يفصّل لنا أخبار السلف، التي تتعلق بمدنيتهم الغابرة، وأصول معيشتهم، وصنائعهم، وعوائدهم، وأزيائهم، وأصول حكومتهم، المتعلقة بالإدارة، والقضاء والسياسة، والجندية والتعليم، والمدارس، والمصانع، وغير ذلك مما يتعلق بترقي هذه الأمة وحالتها الإجتماعية.
الثاني: أن غالب مصنفات من تقدم في الأثر والسير إنعدمت اليوم أو كادت،