للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجعوا إلى اليمن، ثم ارتد الأشعث زمن الردة، فأسرته خيل أبي بكر، وجاؤوا به إليه فأسلم، وقال للصديق: استبقني لحربك وزوجني أختك، فزوّجه أخته لأبيه أم فروة اهـ.

قال الثعالبيّ: فأصبح صبيحة البناء شاهرا سيفا فلم يلق ذات أربع، مما يؤكل لحمه إلا عقرها، فقال الناس: هذا الأشعث ارتدّ ثانيا، ثم إنه قال: يا أهل المدينة إنا والله لو كنا ببلادنا لأولمنا فاجتزوا من هذه اللحمان، وتصادفوا في الأثمان. فلم تبق دار من دور المدينة إلا دخلها من تلك اللحوم، ولم يمر يوم أشبه بيوم الأضحى من ذلك، فضرب أهل المدينة المثل لوليمة الأشعث، وأولم من الأشعث، وفي الأجوبة المهمة للشيخ المختار الكنتي نقلا عن الحافظ المنذري: أن أعظم وليمة بلغنا خبرها وليمة الأشعث بن قيس الكندي، حين تزوج أم فروة، فكانت وليمة ألف رأس من إبل وبقر وغنم اهـ وانظر ترجمته من الإصابة.

[باب في من كان يضرب به المثل في الحلم من الصحابة]

كان يضرب المثل في الحلم بالأحنف بن قيس التميمي السعدي، وفي الزهد لأحمد عن الحسن عن الأحنف: لست بحليم ولكني أتحلم.

وترجم النووي في التهذيب؛ لقيس بن عاصم الصحابي المشهور فقال: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لما رآه: هذا سيد أهل الوبر. وكان قيس عاقلا حليما مشهورا بالحلم، وقيل: للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم قال: من قيس بن عاصم، رأيته يوما بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، يحدث قومه، فأتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فو الله ما حل حبوته، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه وقال: يا ابن أخي بئس ما فعلت أثمت عند ربك فقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك وفتت عضدك ثم قال لابن له آخر: قم يا بني إلى ابن عمك فحلّ كتافه، ووار أخاك، وسق إلى أمك مائة ناقة من الإبل، دية ابنها فإنها غريبة.

قال الجاحظ: قد ذكروا في الإشعار حلم لقمان، وذكروا قيس بن عاصم، ومعاوية بن أبي سفيان، ورجالا كثيرين، ما رأينا هذا الإسم التزق والتحم بإنسان وظهر على الألسنة كما رأيناه تهيأ للأحنف بن قيس، ثم كان على ذلك رئيسا في أكثر الفتن، فلم ير حاله عند الخاصة والعامة، وعند النساك والفتاك، وعند الخلفاء الراشدين، والملوك المشتغلين، ولا حاله في حياته، ولا حاله بعد موته، إلا مسنونا فينبغي أن يكون قد سبقت له من النبي صلى الله عليه وسلم دعوة، ونال منه كما رووه وذكروه، أو يكون قد كان يضمر حسن النية، ومن شدة الإخلاص، ما لم يكن عليه أحد من نظرائه اهـ.

قلت: دعاء المصطفى له قد ساقه الحافظ في ترجمته في القسم الثالث من الإصابة، وهو قوله عليه السلام: اللهم اغفر للأحنف وذكر إن الأحنف كان يقول: ما من شيء من

<<  <  ج: ص:  >  >>