[ذكر تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إيابه]
معروف خبر انشاد غلمان الأنصار بالدف والألحان عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
قلت هذا الشعر أنشد عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، رواه البيهقي في الدلائل، وأبو بكر المقري في كتاب الشمائل، له عن ابن عائشة. وذكر الطبري في الرياض عن أبي الفضل الجمحي قال: سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه فذكره. وقال: خرّجه الحلواني على شرط الشيخين. وراجع المواهب وشرحها ص ٤١٧ من ج ١.
وفي الكلام على غزوة تبوك من المواهب: ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن: طلع البدر علينا. وقد وهم بعض الرواة فقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة، وهو وهم ظاهر؛ لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام كما قدمت ذلك اهـ.
قال الزرقاني: وقد تقدم أن الولي العراقي قال: يحتمل أن الثنية التي من كل جهة يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع. وقدمت أن هذا يؤيده جمع الثنيات، إذ لو كان المراد التي من جهة الشام لم يجمع. ولا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر، مرة عند الهجرة ومرة عند قدومه من تبوك، فلا يحكم بغلط ابن عائشة لأنه ثقة. وانظر فتح الباري في الهجرة وغزوة تبوك. وزاد المعاد.
وذكر المطرزي في اليواقيت عن ابن عباس قال: لما قدم المدينة النبي صلى الله عليه وسلم استقبلته بنات الأنصار بأيديهن الدفوف يضربن بها ويقلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
وخرّج الترمذي عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت بريدة يقول: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا. فجعلت تضرب» . قال الترمذي: حسن صحيح «١» .
قال التوربشتى كما في قوت المغتذي على جامع الترمذي: إنما مكّنها من ضربه بين يديه إذ نذرت. فدل نذرها على أنها عدّت انصرافه على حال السلامة نعمة من نعم الله عليها؛ فانقلب الأمر فيه من صفة اللهو إلى صفة الحق ومن المكروه إلى المستحب اهـ.
(١) انظر كتاب المناقب ج ٥ ص ٦٢٠ رقم الحديث ٣٦٩٠.