الفصل الأول في أن لكلّ من شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على شغله ذلك
روى البخاري (٩: ٨٤- ٨٥)«١» رحمه الله تعالى عن عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى. فقال عمر: فما تريد إلى ذلك؟ فقلت: إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه منّي، حتى أعطاني مرّة ثانية فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فتموّله وتصدق به. فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك. انتهى.
قال ابن بطال، قال الطبري: في هذا الحديث الدليل الواضح على أن لمن شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك، وذلك كالولاة والقضاة وجباة الفيء وعمال الصدقة وشبههم، لإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر العمالة على عمله الذي استعمله عليه. فكذلك سبيل كلّ مشغول بشيء من أعمالهم له من الرزق على قدر استحقاقه عليه سبيل عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك. انتهى.
وفي «التهذيب» : ولا بأس بإرزاق القضاة والعمال إذا عملوا على حق، وكل عامل للمسلمين على حقّ، وما بعث فيه الإمام من أمور المسلمين فالرزق فيه من بيت المال، وأكره لقسّام القاضي والمغنم أن يأخذوا على أنفسهم أجرا، لأنه إنما يعرض لهم من أموال اليتامى وسائر الناس، كما أكره ارتزاق صاحب السوق من أموال الناس، فإن كانت أرزاق القسّام من بيت المال جاز. انتهى.
قلت: والإستعمال: تولية العمل أيضا كالتعميل.
فائدة ١- قوله صلى الله عليه وسلم:«فرزقناه رزقا» الرزق هنا: ما يعطاه العامل من أجرة على عمله، وهو العمالة أيضا. قال الفارابي في «ديوان الأدب»(١: ٤٥٠) العمالة: رزق العامل بضم العين.