هذه النسخة التي بيدي وقد سبق ذكرها، فهذه نسخ خمسة لا أعلم لها في الخزائن التي دخلتها في المشارق والمغارب، بالحجاز ومصر والشام وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، أو فيما طالعت برنامجه من الخزائن الآخرى سادسة. أما النقل عنه فلا أحفظ ولا أستحضر الآن ناقلا عنه، أو ذاكرا له من رجال التدوين والجمع من أيمة الحديث ونحوه، في شيء من الكتب التي وقفت عليها، إلا ما علمته أخيرا من أن العالم المتفنن الشيخ رفاعة الطهطاوي المصري، لخصه وأتى على المفيد منه، والمقصود بالذات في كتابه نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز. وهذا الكتاب مطبوع في المطبعة الحجرية بمصر قديما من ص ٣٠٥ إلى ص ٥٣١ منه. ولكن لم يصل الكتاب المذكور إلى بلادنا، ولا رأينا من رآه، وأول من رأيناه ينقل عنه الكاتب السيد محمد ابن الخوجة الجزائري في مقدمته، التي جعلها للقانون الجزائري. وفي زماننا هذا الذي كثر الكلام فيه حول الخلافة وسلطتها ابتدأ العصريون ينقلون عنه بواسطة الطهطاوي المذكور والله أعلم.
[أول خطبة كتاب التخريج]
قال أبو الحسن الخزاعي صدر ديوانه:
«الحمد لله الذي خلق الخلق من غير افتقار إليهم. وبسط الرزق جودا منه عليهم.
وبعث فيهم رسلا منهم أقاموا لهم على وجوده ووحدانيته أوضح حجة. وحملهم بالإيمان به وامتثال أوامره ونواهيه على أفسح محجة. وخصّنا منهم بأعظمهم قدرا. وأرفعهم ذكرا أولهم في الجلالة. وآخرهم في الرسالة. مسك الختام. ولبنة التمام. سيدنا ومولانا محمد نبيه الكريم. الرؤوف بالمؤمنين الرحيم. فأدى إلينا صلى الله عليه وسلم أمانة ما حمّل. وبلّغ ما عليه أنزل.
وأرشد ونصح. وبيّن وأوضح» الخ.
[مقصده من تدوينه]
(قال رحمه الله) وبعد: فلما رأيت كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف قدمه، وليس لديه من أدوات الطالب إلا مداده وقلمه، يحسبون من دفع في كثير من تلك الأعمال، في هذا الأوان مبتدعا لا متبعا، ومتوغلا في خطة دينية ليس عاملا في عمالة سنية، استخرت الله في أن أجمع ما تأدى في علمي من تلك العمالات، في كتاب يوضح نشرها، ويبين للجاهل أمرها، فيعرف الجاهل وينصف المتحامل، فألفت هذا الكتاب، وذكرت في كل عمالة منها من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، من الصحابة ونسبه وأخباره، ليعلم ذلك فيشكر الله عزّ وجلّ على أن استعمله في عمل شرعي، كان يتولاه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقامه مقامه ويجتهد في إقامة الحق فيه، مما يوجبه الشرع ويقتضيه، فيكون قد أحيا سنة وأحرز حسنة، وإني لأرجو مما تحملته من التعب في جمع هذا التأليف، حتى أتيت بجميع ما تضمنه من الحرف والصنائع والعمالات النبوية والتشريف، بالنسبة الشرعية، والتنزيه عن الظنة السيئة